من نحن….؟ 

بقلم الأديب : عمر محمد العمودي

 

نحن آه حين نولد وحين نموت

نحن آه حين نسير وحين نحلم وحين نقف

الآه هي: تعب، لذّة، طرب، نشوة، حسرة، تمنّي، تذمّر

 

كلنا آه ..

هي نحن، في كُلّ جزء منّا تحلّ

ننتشي بها أمام اللوحات والأغاني

نتخيّل اللقيّا البعيدة بها

ونحن أطفالًا نستريح بها

ونحن كبارًا نستريح بها

نشكو من جهلنا بآه فصيحة

وبآه تتبع آه نتعلم..

 

الآه نشيد البشرية

شعار الإنسان من المهد إلى اللحد

آه، قد لا تكون صوتًا واحدًا

قد تكون جمعًا، قد تكون زوجًا

قد تكون صافية

قد تكون مبتلّة بالعرقِ أو الدمع أو اللذّة

 

آه يقولانها معًا في لحظة واحدة، كلٌّ بطريقته:

الأب الغاضب، الابن الباكي في الزاوية

الرجل في الأعلى، المرأة في الأسفل

الأم في البيت، الابن في البيت البعيد عن البيت

الشجرة والحطاب

المغادرُ والمودّع..

كلهم يترمّمون بالآه:

الفلّاح وهو يتمدد على الفراش

النمّام العاجز عن إكمال قصة مؤلمة اختلقها

عامل البناء وهو يعود إلى منزله المتهالك في المساء

العاطل عن العمل كلما رمقوه في المنزل باحتقار

الفتاة في المنزل

الفتاة في الجامعة

الفتاة في العمل..

كُلّهم يحتاجون للآه:

الفاقد، العاشق، العاجز، الحائر، الراحل، العائد، العابد، الزاهد، الفاجر، العاصي، الغني، الفقير، المتغطرس، الذليل، الحاكم، المتسوّل، الطفل، الشاب، العجوز..

جميعهم قدرٌ كبيرٌ من الآه

كُلّهم آه منفردة، ليسوا آهات

الآه قوّتها في وحدتها

الآهات تمييع للآه

 

الآه ملاذ من يسلك طريقًا شائبًا ويصل

من يسلك طريقًا واضحًا ولا يصل

من لم يجد طريقًا

من لا يجرؤ على التفكير بالذهاب..

 

كم آهٍ من تعب لم تكتمل أبدًا

كم آهٍ من لذّة جعلها البلل رخوة

كم آهٍ لا يعرف أصحابها

لماذا أجبرتهم على الخروج

كم هي الآه مؤلمة

كم هي الآه شهية

 

تضربني البلاد بسياطها

تصرخ: اخرج، اخرج

فأقول: آهٍ.. آه..

 

تبالغ الحياة في مزحها

تخفي كل الأشياء التي أحبها

وتقول: عش إلى ما بعد قدرك، وستجدها..

وأضحك: آهٍ.. آه..

 

آه، بألف ممدودة

ألف تندلع من أعمق ما يمكن للصوت بلوغه

بِـ هاء كصدى داخلي لا ينتهي..

آه كما تُنطق، لا كما تُكتب

آه.. برغبة تامة ولا متناهية في الآه

آه كما هي

تشرح نفسها دون زيادة ولا نقصان

لا تخفف حدتها لهجة أو نبرة

آه ليست كلمة

هي فعل، صوت، يأس، أمل كان ممكنًا

ردة فعل، نشوة، حسرة ما بعد النجاة..

 

آه هي شعور..

يدحرجها متعب، يخرجها ببطء

يلفظها بإحساس لا تبلغه أم كلثوم

 

آه، كما شعرتُ بها، لا كما تلقّنتها

آه، بصدق، بإخلاص، بطلاقة

آه أقولها حتّى أُجن

آه أقولها كي لا أُجن

آه تعصف بي، تدمّرني..

تحييني، تفرغني منّي، تملأني

تذكّرني بأني إنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى