قبل ضياع الوقت.. زيارات مكثفة بين إيران وسوريا.. خامنئي قلق والأسد بالحياد
مسؤولون إيرانيون يزورون سوريا.. في وقت تواصل إسرائيل قنص قادتها في دمشق
زيارات متبادلة ومكثفة خلال أسبوع واحد بين مسؤولين سوريين وإيرانيين، آخرها وصول وزير الخارجية السوري بسام الصباغ إلى طهران على رأس وفد سوري.
وقبل أيام كانت هناك عدة زيارات لمسؤولين إيرانيين إلى العاصمة دمشق، على التوالي حيث بعد ختام زيارة علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، إلى سوريا ولبنان، بدأ وزير الدفاع الإيراني العميد طيار عزيز نصير زاده زيارة رسمية إلى دمشق، التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد وكبار القادة العسكريين والأمنيين.
وعلى ما يبدو، تسعى طهران في الوقت المتبقي والحاسم إلى اختبار مدى وفاء نظام الأسد على خلفية دعمها غير المسبوق له خلال سنوات الحرب، وهي تحاول في ظل الحرب الوجودية التي تهدد حزب الله والتهديدات المتكررة باستهداف ترابها مرة أخرى، التأكد من أن استثماراتها الضخمة في بقاء الأسد لم تكن خاسرة.
في أعقاب زيارة وزير الخارجية ورئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، إلى سوريا ولبنان، سافر علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني، إلى سوريا ثم لبنان، لإجراء محادثات مع مسؤولين في بيروت ودمشق، وإيصال رسالة علي خامنئي لـ”الأسد” والسياسيين اللبنانيين، للرد عليها.
وفي تطور لافت ومتسارع للأحداث، وصل وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده برفقة وفد عسكري رفيع المستوى إلى دمشق، السبت، في زيارة غير معلنة ومفاجئة، ما أثار كثيرا من التكهنات حول طبيعة مهمة “لاريجاني” والزيارة التالية لوزير الدفاع والأهداف الإيرانية منها.
طهران ومحالة لم الشمل
على ما يدبو أن طهران تحاول أن تبدي التزاماً وتعاطفاً مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة، النظام السوري وحزب الله اللبناني، وتظهر القوة والثقة من خلال رسائل سياسية قوية، في حين يعتقد بعضهم أن الأسلوب الساخر والاستعراضي في ظل التوترات المتصاعدة والتهديدات الحقيقية، قد يبدو غير كاف لمواجهة المخاطر، وقد يفسر هذا الأسلوب على أنه ضعف أو عدم جدية فى التعامل مع التهديدات.
فلم تكن سوريا بعيدة عن شرارة الحرب المندلعة بالقرب منها خلال الفترة الأخيرة ولو بشكل غير مباشر، ومع وجود مؤشرات عن تحوّل التصعيد الحاصل إلى مستويات أكبر تثار تساؤلات عما ينتظر الوجود الإيراني فيها، سواء على الميدان أو ضمن مواطئ القدم الأخرى التي ثبتتها طهران بالتدريج خلال السنوات الماضية.
ومنذ عام 2012 زج “الحرس الثوري” الإيراني بالكثير من الميليشيات على أرض سوريا، وبعدما حققت طهران هدفها مع روسيا بتثبيت رئيس النظام السوري، بشار الأسد على كرسي الحكم اتجهت بعد ذلك إلى التوغل في قطاعات اقتصادية واجتماعية.
كما حجزت لها دورا كبيرا في المشهد السياسي الخاص بالبلاد، وطالما كان المسؤولون فيها يحضرون الاجتماعات المتعلقة بالتنسيق على الأرض مع بقية القوى الفاعلة الأخرى، ويجرون المحادثات بالتوازي كـ”طرف ضامن”، وفق ما تؤكده محطات مسار “أستانة”.
لكن الظروف التي وضعت فيها إيران أول موطئ قدم لها في سوريا قبل 12 عاما تكاد تختلف بشكل جذري عن الوقت الحالي، رغم أن النظام السوري ما يزال يؤكد أن وجودها في البلاد “شرعي”.
مصلحة الأسد
تدرك إيران أن الحرب الأهلية في سوريا لم تنتهي بالكامل وأن التورط المباشر الجاد في الصراع الإقليمي الجاري الحالي من المرجح أن يضعف النظام السوري بدلا من أن يكون له تأثير كبير على إسرائيل.
ولكنها بنفس الوقت ترى أن سوريا تبقى ممرا مهما للوصول إلى حزب الله وقاعدة للعمليات ضد إسرائيل.
أما فيما يتعلق بالنظام السوري، فإن الأمر يتعلق الآن بالنجاة من أزمة إقليمية أخرى دون الانجرار إليها.
ويتيح موقف الحياد الذي يتخذه الآن البقاء مركزا على القضاء على بقايا الحرب الأهلية وفرض السيطرة الكاملة على البلاد.
خامنئي يستشعر القلق
لكن التطورات الحاسمة في الإقليم ربما قد تكون دفعت “خامنئي” على عجل إلى إرسال أحد دبلوماسييه المخضرمين في مجال العمق الاستراتيجي، الذي يشهد كما وصفه بعض المحللين والخبراء تراجعاً ويعاني من انتكاسات خطيرة.
وبحسب ما يعتقده بعض المحللين الإيرانيين، فإن مهمة “لاريجاني”، التي تأتي في أعقاب تهديدات إسرائيل ضد بشار الأسد والنظام السوري وتكثيف الهجمات على مناطق مختلفة من البلاد، هي للتأكد من أن “النهج السوري لن يتغير من جهة، ولطمأنة بشار الأسد أن إيران مستعدة لتقديم دعم أكبر لسوريا ضد أي مغامرات إسرائيلية من جهة أخرى.
وخلافاً لزيارات المسؤولين الإيرانيين السابقة، خلال الحرب الممتدة لأكثر من عام، من الواضح أن زيارة “لاريجاني” الأخيرة إلى دمشق وبيروت، أثارت حنق الإسرائيليين، فقد أشارت تقارير إلى أنّ إسرائيل استهدفت موقعاً قريباً من مكان اجتماعه في حي المزة بدمشق، كما استُقبل “لاريجاني” بمشهد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية، خلال وصوله مطار بيروت.
الأسد بين شقي رحى
يقول مراقبون إن الرئيس السوري بشار الأسد يواجه ضغوط هائلة. وفي ذلك، قالت الخبيرة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس، إن الأيام المقبلة “قد تكون الأكثر تعقيدا بالنسبة لنظام الأسد.”
وفي مقابلة مع DW، أضافت أن “سوريا تقف بين شقي رحى إيران وإسرائيل كحليف لإيران، يجد الأسد نفسه مضطرا إلى استخدام كل أوراقه الاستراتيجية لحماية أمنه القومي ومصالحه الإقليمية، وأيضا يواجه الأسد حكومة إسرائيلية تريد إعادة رسم خطوط النفوذ في الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني”.
التحالف “التاريخي” بين إيران وسوريا
يعود التحالف بين دمشق وطهران إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ تعد دمشق من أكثر الحلفاء العرب لطهران منذ الحرب العراقية الإيرانية. ومنذ دعم إيران لحزب الله منذ تشكيله، أضحت سوريا قناة لنقل الأسلحة من طهران والجماعات الموالية لها خاصة حزب الله.
ومع اندلاع الأزمة السورية، ساعد حزب الله، نظام الأسد في بسط سيطرته على مناطق كثيرة في سوريا وترجيح كفة الحكومة أمام المعارضة.
ورغم التحالفات، التزم النظام السوري الهدوء بشكل نسبي عقب قيام إسرائيل بقتل العديد من قادة حزب الله والبدء في عمليات برية عسكرية في جنوب لبنان حيث تتبادل إسرائيل إطلاق النار مع حزب الله المدعوم من طهران منذ أن بدأت الجماعة إطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية.
في المقابل، سعت الحكومة السورية إلى البقاء بعيدا عن المعارك منذ تصاعد التوتر الإقليمي و اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
ونشرت رويترز في يناير /كانون الثاني الماضي تقريرا أفاد بأن الأسد أحجم عن اتخاذ أي إجراء لدعم الفصائل الفلسطينية في غزة بعد تهديدات إسرائيلية. كما “أبعد” حزب الله عن نشر أي قوات في الجزء الخاضع لسيطرة سوريا في الجولان، بحسب التقرير.