هل يستطيع اليوان الصيني هزّ عرش الدولار؟

 متابعة / العاصفة نيوز

أدت العقوبات الغربية على روسيا على خلفية غزوها أوكرانيا إلى زيادة قياسية في حجم التجارة بين موسكو وبكين التي تتم باليوان، الأمر الذي فتح شهية دول أخرى كالسعودية والبرازيل وتركيا على زيادة معاملاتها بالعملة الصينية.
وأسفرت العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بعد توغلها العسكري في جارتها أوكرانيا، عن خنق قدرة موسكو على إتمام معاملاتها التجارية بالدولار الأمريكي واليورو وعملات أخرى خاصة عقب إبعاد البنوك الروسية عن نظام سويفت وتجميد احتياطيات بالنقد الأجنبي تعود للبنك المركزي الروسي.
وعلى وقع ذلك، اضطرت روسيا إلى تحويل ما تبقى من احتياطاتها إلى عملات لا يهمين عليها الغرب مثل اليوان، العملة الرسمية في كافة أنحاء جمهورية الصين الشعبية باستثناء هونغ كونغ ومكاو.
وساعدت صفقات الطاقة المبرمة بين روسيا والصين عقب الحرب، في زيادة معدل التعاملات الدولية باليوان إلى مستوى قياسي، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” عن بيانات صينية رسمية الأسبوع الماضي.
ومنذ ذلك، حققت المعاملات الثنائية باستخدام اليوان نمواً بمعدل الثلث في يوليو/تموز لتصل إلى 53 بالمئة مقارنة بنسبة 40 بالمئة في يوليو/ تموز عام 2021.
وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” أنه في عام 2010، كانت 80 بالمئة من المعاملات التجارية الصينية تتم بالدولار، لكن هذه النسبة انخفضت إلى النصف منذ فرض العقوبات الغربية على روسيا بالتزامن مع نمو التجارة الخارجية التي تتم باليوان من الصفر تقريباً إلى أكثر من النصف.
وقالت مايا نيكولادزي، المديرة المساعدة في مركز “جيو إيكونوميكس” التابع للمجلس الأطلسي، إن “التداول باليوان يلائم روسيا والصين. فليس أمام روسيا الكثير من البدائل الأخرى، بينما تستفيد الصين من ممارسة نفوذ اقتصادي أكبر على موسكو، فضلاً عن تحقيقها خرقاً في عملية تدويل اليوان”.
ورغم ذلك، فقد أفاد تقرير أصدره المجلس الأطلسي تحت عنوان “مراقبة هيمنة الدولار”، بأن اليوان يُستخدم في أقل من 7% من جميع معاملات الصرف الأجنبي على مستوى العالم، فيما احتفظ الدولار بنصيب الأسد؛ إذ بلغت نسبته في المعاملات الدولية نحو 88 بالمئة.
وأضاف التقرير أن 54% من حصيلة فواتير التصدير تتم بالدولار، في مقابل نسبة بلغت 4 بالمئة لليوان.
وأسفر ارتفاع حجم التجارة التي تتم باليوان بين الصين وروسيا، عن زيادة حصيلة الخزينة الروسية من اليوان كجزء من احتياطياتها من النقد الأجنبي فضلاً عن أن اتفاقية مبادلة العملات بين الجانبين تسمح للبنوك الروسية بالحصول على سيولة نقدية من اليوان. يُضاف إلى ذلك قرار مؤسسات مالية في روسيا بإصدار سندات مقومة باليوان.
وقد جذب ذلك اهتمام الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس” التي تضم إلى جانب الصين وروسيا كلا من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل. وقد طرح قادة المجموعة، فكرة إنشاء نظام مالي متعدد الأقطاب بهدف تقليل الاعتمادية على الدولار.
وقال هانز جونتر هيلبرت، الزميل بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP)، إن العديد من بلدان الجنوب العالمي باتت تشعر “بالقلق” إزاء تحركات بعض الدول الغربية صوب تجميد الاحتياطيات الروسية. وأضاف “تخشى هذه الدول من أنه في حالة حدوث أزمة مع الولايات المتحدة في المستقبل، فإن الأخيرة قد تقدم على تجميد احتياطيات هذه الدول، لذا فهي قررت الابتعاد عن الدولار”.
من جانبه، يعتبر مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الأمريكية دونالد ترامب، أن التخلص من هيمنة الدولار يشكل تهديداً كبيراً لزعامة بلاده، موجهاً تهديداً للدول التي تتخلى عن استخدام الدولار في معاملاتها التجارية. فأمام أنصاره بولاية ويسكونسن قبل أيام، قال ترامب إن إدارته سوف تفرض على هذه الدول رسوماً جمركية بنسبة 100 % على سلعها القادمة للولايات المتحدة.
وأبرمت بكين صفقات مع دول أخرى لإجراء المزيد من التعاملات التجارية باليوان؛ إذ وقعت مع السعودية أواخر العام الماضي اتفاقيات لمدة 3 سنوات وبقيمة 7 مليارات دولار.
وقد تمثل هذه الصفقة تحولا محتملاً كبيراً في أسواق الطاقة العالمية التي ما زال الدولار يهمين عليها في مصطلح اقتصادي يُطلق عليه اسم ” البترودولار”.
وفي ذلك، قال هيلبرت إن السعودية “تبيع النفط والغاز إلى الصين وتحصل على اليوان الذي يمكن استخدامه لشراء سلع صينية أو استخدامه لضخ استثمارات في الصين. هذا هو هدف السعودية بمعني أن الأمر ليس سوى مقايضة”.
وقد وافقت دول أخرى مثل البرازيل وإيران وباكستان ونيجيريا والأرجنتين وتركيا على إجراء المزيد من معاملاتها التجارية باليوان، لكن الحالة الإيرانية هي الأكثر لفتاً للأنظار؛ إذ كشفت بيانات شركة “كبلر” لتحليل البيانات عن أن المصافي الصينية اشترت 90٪ من النفط الإيراني المصدر العام الماضي. وتحصل إيران على عوائد بيع النفط باليوان عبر بنوك صينية صغيرة.
وعلى الرغم من الخطوات التي تتخذها الصين لتدويل اليوان، إلا أن عملتها ليست قابلة للتحويل بالكامل مع العملات العالمية الأخرى. ويشدد خبراء الاقتصاد على أن هذا الأمر يعد ضرورياً لكي ينافس اليوان الدولار خاصة مع استمرار بكين في فرض ضوابط رأس المال التي تقيد التدفق الحر لرأس المال الخارج من البلد والداخل إليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى