القلق يستوطن بيوت اللبنانيين.. وصحتهم النفسية في تدهور


معالجة نفسية لـ” العاصفة نيوز”: اللبناني يولد لديه صدمة الحرب

رغم الحفلات، الأجواء الصاخبة، ومظاهر الحياة التي قد تبدو “طبيعية” للكثيرين، يستوطن القلق بيوت اللبنانيين وتسيطر حالة من الخوف غير المعلن على يومياتهم.

سيناريوهات مخيفة، تبدأ بالحرب الأهلية المروعة ولا تنتهي بانفجار مرفأ بيروت الكارثي، يسترجعها اللبنانيون لمجرّد سماع صوت المفرقعات أو الألعاب النارية في سماء العاصمة، كيف لا وطبول الحرب تُقرع منذ مدة في الخاصرة الجنوبية اللبنانية، وجدار الصوت يُخرق على مسامع الأطفال والمسنين ومن واكبوا مآسي الماضي والحاضر.

هذه الأحداث، وما زادها من هزات أرضية من هنا، وأزمات أمنية من هناك، ترخي بثقلها على الصحة النفسية لسكان لبنان وتوقظ صدمات سابقة عايشوها.

تقول ريمي، التي تقطن إحدى البلدات الجنوبية، إنها تحاول طمأنة أطفالها الثلاثة قدر المستطاع عند سماع القصف الإسرائيلي أو جدار الصوت الذي تخرقه الطائرات الحربية الإسرائيلية.

وتضيف لـ” العاصفة نيوز”: يبدأ أطفالي بالبكاء عند سماع دوي القصف ولا أعرف ما هي الطريقة المثلى للتعامل معهم. ولكن بجميع الأحوال لا مكان لنذهب إليه. هنا بيتنا ومنطقتنا، في الجنوب”.

وعلى الرغم من أن حزب الله وإسرائيل يتبادلان القصف يومياً عبر الحدود منذ عشرة أشهر، إلا أن منسوب الخوف من التصعيد ارتفع في الآونة الأخيرة في لبنان بعدما توعّدت طهران وحزب الله بالرّد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ومقتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر.

صدمة الحرب منذ الولادة

تؤكد المعالجة النفسية مايا دبوق أن فئة الأطفال هي الأكثر تأثراً مما يجري، وقالت لـ” العاصفة نيوز”: لم نواجه حالات ناجمة عن الخوف من جدارات الصوت وغيرها لدى الراشدين وإنما لدى الأطفال.

ولفتت إلى أن اللبنانيين يشكون من أن الوضع العام ليس على ما يرام، و”هذا الأمر نراه كحالات في عياداتنا”، تقول دبوق.

وشددت على أهمية الوقاية النفسية في مثل هذه الظروف، وقالت: أنصح المرضى بالتوقف عن متابعة الصفحات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل خلق حاجز أو درعٍ حامٍ لأنفسهم وليس العيش بحالة نكران.

وأضافت: يجب على كل شخص أن يفكر بحماية نفسه وصحته النفسية بالابتعاد عن الأخبار المتواصلة، وعوضاً عن ذلك يكطنه متابعة ما يجري بشكل متقطع، خصوصاً أن لا تأثير مباشراً وفورياً للأخبار على حياتنا في معظم الأحيان.

وعرّجت دبوق في حديثها على موضوع الصدمات الجماعية، مشيرةً إلى اللبنانيين يستمدون الصدمات من أهلهم الذين عايشوا فترة الحرب الأهلية، وقالت: هكذا تتكسر الصدمات وهكذا تنتقل أيضاً من جيل إلى آخر. وتابعت: اللبناني يولد لديه صدمة الحرب، ويأخذ هذا الأمر من أهله وفي تكوينه.

المرونة النفسية.. سيف ذو حدين

في الفترة الأخيرة، نشر نشطاء لبنانيون فيديوهات تهكمية تعكس تأقلمهم مع الظروف الخطيرة المحيطة بهم، وتترجم مدى “حبهم وتمكسهم” بالحياة ورغبتهم بالاستمرار بشكل طبيعي رغم مخاطر وقوع حرب شاملة وما يرافقها من حالة عدم استقرار.

وقد أظهرت فيديوهات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي الحياة المستمرة في كافة أوجهها في لبنان، أكان السهر والحفلات والأعمال والإجازات وغيرها. وهذا الأمر يضعه معظم اللبنانيون تحت خانة “الصمود”، وثقافة الاستمرار.

في هذا السياق، تعتبر المعالجة النفسية دبوق أن القدرة على التحمل هي سيف ذو حدين، وقالت: اللبناني على قدر ما لا يرغب بوقوع حرب، على قدر ما يستطيع إلى حد ما التعايش مع ظروفها.

وشددت على أن الصمود أو المرونة النفسية المطاطة ليست بالضرورة أن تكون أمراً جيداً أو صحياً، من وجهة نظر علم النفس.

وتحدّثت دبوق عبر “ العاصفة نيوز” عما وصفته بـ”حالة النكران” التي يعيشها اللبنانيون، وتابعت: يظن اللبناني أن وضعه يستحق أن يتباهى به لكنه يدل على حجم التعب النفسي.

وأشارت إلى أن اللبناني يعيش دائماً بوضعية “النجاة” أو “البقاء على قيد الحياة” (survival mode)، وذلك نظراً لكون الموت موجود بشكل كبير في محيطه.

ورداً على سؤال عما يجب التنبه إليه من مؤشرات: قالت دبوق: الحالة التي تنذر بوجوب استشارة أخصائي نفسي، هي عندما تعيق الحالة النفسية للشخص أو للمحيطين به، تقدمه في الحياة، وتمنعه من ممارسة حياته اليومية بشكل بسيط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى