بعد 13 عاما من الحرب.. ماذا بقي في سوريا؟


سوريا تعيش أوضاعا اقتصادية شعبة وتفككا مجتمعيا

بعد نحو 13 عاما من الأزمة السورية والحرب التي دمرت البلد وسط تدخل أجنبي، لتحقيق أهداف خاصة.. ما تزال سوريا تعيش حالة من التشتت والتفكك.

ففي تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية ذكر أن سوريا، لا تزال تعاني من الفقر المدقع ولا يزال مجتمعها مستمرا في التفكك، وتساءلت الصحيفة ماذا بقي من سوريا منذ انتهاء الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011، خلال موجة “الربيع العربي”؟ وقالت إن التقارير التي تنشرها تباعا منذ 15 سبتمبر/أيلول الجاري، توفر معلومات قيّمة، تظهر أن سوريا دولة منغلقة أكثر من أي وقت مضى، وتقدم دروسا مثيرة للقلق.

وتصف هذه التقارير بلدا وصل إلى انهيار داخلي بطيء ويائس، بعد اندلاع الحرب التي خاضها النظام السوري والمعارضة المسلحة بوحشية لا تصدق، وهي لا تقف عند الأطلال التي لا تمكن استعادتها والفقر المستشري، بتقطيع أوصال المجتمع وطمس جيل مزقت إغراءات المنفى منه ما لم تسحقه الحرب.

أسباب الانهيار

ذكرت الصحيفة أن أسباب هذا الانهيار معروفة، إذ فازت عائلة الأسد في دمشق بدعم من إيران وروسيا المدفوعتين بمصالحهما الإستراتيجية الخاصة، حيث ركزت الأولى على بقائها والثانية مشغولة بحربها في أوكرانيا.

وأضافت أن لا أحد يملك السبل اللازمة لاستكمال الاستعادة الكاملة لسيطرة بشار الأسد على المنطقة التي لا تزال أجزاء منها خارج قبضته، ناهيك عن تمويل عملية إعادة الإعمار المكلفة والطويلة الأمد.

وأشارت لوموند إلى أن النفوذ الذي اكتسبته إيران خلال العقد الماضي في منطقة فقدت جزءا كبيرا من سيادتها، كما تشكل العقوبات التي فرضها الغرب عقبة أخيرة، خاصة قانون قيصر الذي اعتمده الكونغرس الأمريكي لحماية المدنيين في سوريا عام 2019 باسم مكافحة الإفلات من العقاب.

الإرهاق الدولي

أما الرئيس السوري بشار الأسد فيرى حسب الصحيفة أن السياسة الواقعية ستؤدي في نهاية المطاف إلى اختفاء هذه العقوبات، بمجرد الاعتراف بالقوة الوحيدة المتبقية له، وهي الإزعاج الذي يسببه دوره الضار في تهريب مخدرات مدمرة على نطاق واسع في المنطقة، دون التنازل عن أدنى جزء من السلطة.

ومع ذلك، يبقى هذا الحساب عبثا، لأن إعادة الدمج الرمزي لسوريا في جامعة الدول العربية، لم تغير المأزق الذي تجد سوريا نفسها فيه.

وخلصت الصحيفة إلى أن هذا المأزق يستمر في إثارة الضجر الدولي، خاصة في البلدان التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين الذين شردتهم الحرب الأهلية، لأنهم كلما اعتقدوا أن بلادهم أصبحت آمنة لعودة اللاجئين، تظهر التقارير أن الأمر ليس كذلك.

اللاجئون السوريون حول العالم

وفقا لآخر إحصائيات الأمم المتحدة يوجد أكثر من 13 مليون سوري “مهجرون قسرا”، وفي عام 2023 وحده نزح 174 ألف شخص آخرين داخل سوريا، ليصل العدد الإجمالي إلى 7.2 مليون نازح داخليا، و6.5 مليون لاجئ وطالب لجوء في الخارج.

وتقول المنظمة الأممية في بيان لها إن الأرقام المذكورة تمثل “كوارث إنسانية لا حصر لها”، ولكل منها “قصة خسارة”.

ولا تزال سوريا منذ سنوات وحتى الآن تمثل أكبر أزمة لجوء في العالم، ويتوزع اللاجئون بغالبيتهم العظمى في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ ويليها لبنان ومن ثم الأردن والعراق ومصر ووصولا إلى الدول الأوروبية، على رأسها ألمانيا.

ورغم التأكيدات المستمرة من جانب الأمم المتحدة بأن “سوريا غير آمنة لعودتهم” اتجهت دول مؤخرا لإطلاق “حملات إعادة طوعية” تراها منظمات حقوق إنسان “قسرية”، وأن آلياتها تنطوي على الكثير من المخاطر والترهيب والتضييق.

ويؤكد ما سبق تقرير نشرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إذ قالت فيه إنها وثقت ما لا يقل عن 4714 حالة اعتقال تعسفي لعائدين من اللاجئين والنازحين على يد قوات النظام السوري، منذ مطلع 2014 وحتى شهر يونيو 2024.

الشبكة الحقوقية وثقت من جانب آخر مقتل ما لا يقل عن 367 مدنيا بينهم 56 طفلا و34 سيدة و43 شخصا تحت التعذيب واعتقال 828 شخصا خلال عام 2024.

وجاء في تقريرها أيضا أن “الانتهاكات التي ما زالت تمارس في سوريا، والتي كانت هي السبب الرئيس وراء هروب ملايين السوريين من بلدهم ما تزال مستمرة”.

وفي حين أكدت أن تلك الانتهاكات هي السبب الرئيس وراء عدم عودة اللاجئين بل وتوليد المزيد منهم أشارت إلى غياب أي أفق لإيقافها أو محاسبة المتورطين فيها، وعلى رأسها قوات النظام السوري.

اقتصاد منهار

تشير أحدث التقديرات الأممية إلى أن عدد السكان في سوريا يبلغ نحو 23 مليون نسمة، منهم نحو 7.25 ملايين نسمة تقريبا يعيشون حالة نزوح داخلي، ونحو مليونين من هؤلاء النازحين يعيشون في مخيمات.

وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن نسبة واسعة جدا من البنية التحتية الأساسية لسوريا لا تزال مدمرة، وأن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، كما لا يزال ملايين السوريين يعيشون حالة النزوح داخليا (قرابة 31% من إجمالي السكان)، ويعانون من نقص وفقدان الوثائق المدنية، فضلا عن نقص وفقدان أو تلف وثائق الإسكان والأراضي والممتلكات.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف إن ما يقارب 7.5 ملايين طفل سوري يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، وإن أكثر من 650 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن.

وبينما ارتفع الحد الأدنى لتكلفة المعيشة في سوريا إلى مستويات قياسية بسبب التضخم وغياب مقومات الإنتاج فإن الحد الأدنى للأجور في سوريا الذي أصبح مؤخر 280 ألف ليرة لا يغطي أكثر من 2% من الحد الأدنى هذه التكلفة في أحسن الأحوال، والحقيقة أن هذه الهوة الواسعة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية هي جوهر المشكلة في المشهد الاقتصادي السوري برمته.

وفقدت العملة السورية 83% من قيمتها في السنوات الثلاث الأخيرة و53% خلال العام الماضي، وما زال تدهورها مستمرا خلال الربع الأول من هذا العام.

ولمواجهة هذا الواقع المعيشي الصعب يلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على مصادر إضافية للدخل، من أهمها الحوالات المالية من المغتربين خارج سوريا، وتغيير العادات الغذائية عبر تقليص الإنفاق على الغذاء إلى الحدود الدنيا، لدرجة أنه بات من الشائع لدى شريحة واسعة من الشعب السوري الاكتفاء بوجبة طعام واحدة في اليوم.

تدهور الزراعة

وفق إحصاءات الأمم المتحدة يوجد في سوريا اليوم أكثر من 12 مليون شخص يفتقرون إلى الأمن الغذائي و2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.

ويعد قطاع الزراعة من أهم القطاعات وأكثرها تضررا في سوريا وأحد العوامل التي تلعب دورا مهما في الأمن الغذائي، إذ تشكل مساحة الأراضي الزراعية نحو 32% من المساحة الإجمالية، ويعمل في هذا القطاع أكثر من 20% من السوريين.

وبسبب الانخفاض الكبير في إنتاج المحاصيل الغذائية والإنتاج الحيواني تشكو الأسواق المحلية من عدم توفر المواد الغذائية بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها، وذلك بعد الخسائر الفادحة التي مني بها المزارعون والعاملون في قطاع الزراعة والمواشي، وكلها عوامل ساهمت في تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن قيمة الخسائر الناتجة عن تضرر القطاع الزراعي وصلت إلى 16 مليار دولار.

حصاد القمح في مدينة الرقة السورية (أ ف ب)

حلول غائبة

كان عام 2023 بالنسبة للسوريين الأسوأ على الإطلاق من حيث الأوضاع الاقتصادية، خصوصا بعد كارثة الزلزال في 6 فبراير/شباط 2023 الذي ضرب جنوب ووسط تركيا وشمال وغرب سوريا، حيث قُتل ما لا يقل عن 8476 شخصا وأصيب أكثر من 14 ألفا و500 آخرين في سوريا، وكانت له آثار سلبية على ما يقارب 11 مليون شخص، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أوشا.

ومع اختفاء الطبقة المتوسطة وارتفاع معدلات البطالة بشكل مطرد وسيادة اقتصاد الحرب فإن مظاهر الفساد وتجارة الممنوعات تصبح أكثر رواجا من أي وقت آخر.

الهروب من سوريا

في كل عام يتجدد الأمل لدى الشعب السوري، بالحل السياسي من أجل طيّ صفحة أبشع نزاع في القرن الحادي والعشرين.

ولكن على ما يبدو فإن المعركة مستمرة مع النظام وهي معركة طويلة، لأنها صراع بين قيم الأمن والاستقرار وبين فوضى النظام، معركة بين الحرية وبين الاستبداد، والعدالة مقابل الظلم، وهذا يتطلب بطبيعة الحال وحدة السوريين من أجل العبور إلى الضفة الآمنة، سوريا التي يتشارك فيها كل السوريين، ويتساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

سوريون في أحد المعابر مع تركيا (أ ف ب)

هذا كان تفكير الكثيرين ولكن الواقع يحكي أسوأ من ذلك..

فما زلنا نشهد إقبال عائلات كثيرة على مراكز إصدار جوازات السفر للحصول على جواز يستطيعون من خلاله الهروب من سوريا إلى أي وجهة كانت.

فالشباب يهربون من أداء الخدمة العسكرية، والعائلات تهرب من أزمات اقتصادية أطاحت بها وأتعبتها، بعد أن باع الكثيرون بيوتهم وأراضيهم بثمن بخس لتجار الحروب.

الوضع في سوريا أصبح لا يطاق، فلا الأب قادر على تلبية مطالب أبنائه بسبب انخفاض الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، ولا الأطفال يستطيعون إدراك ما يحدث لهم، فمن حقهم الحصول على بعض الفرح والمرح ومن حقهم الشعور بطفولتهم في ظل مرارة العيش.. وفي ظل كل هذا لم يضع النظام السوري خططا أو حلولا بل على العكس تماما ها هو اليوم يصدر جوازت السفر بالآلاف يوميا،، ولم يكتف بذلك بل رفع أسعار إصدار الجوازت ليصبح الجواز الأعلى تكلفة في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى