ما أبعاد توجه الحوثيين نحو إجبار طلاب المدارس على دعم عملياتهم العسكرية؟ (تقرير خاص)

تقرير المجهر

 

لم يكن يدرك عاصم ذو الـ 13 ربيعا وكثير من زملائه الطلاب، بأن جماعة الحوثي ستحتال عليهم من مصروفهم المدرسي ما يساعدها على توفير طائرة مسيرة ترسلها لاستهداف المدنيين في تعز ومأرب وشبوة أو غيرها من المحافظات اليمنية المحررة.

يحكي عاصم الجوبي (اسم مستعار) وهو طالب في الصف الثامن بإحدى مدارس العاصمة المختطفة صنعاء، بأن مشرفة المدرسة انتصار، فرضت على كل طالب دفع 500 ريال يمني، دعما لما أسماها القوات الجوية للحوثيين، متابعاً: “أكيد يجمعوا مبالغ خيالية”.

أخذنا الحديث مع عاصم إلى محاولة تقدير ما يمكن جمعه خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي في الصف الثامن والذي ينقسم إلى ثلاثة فصول أحدهم مخصص للطالبات، يقول “جمعت المشرفة من الفصل الذي أتواجد فيه مبلغ خمسون ألف ريال”.

ما يعني أن المبلغ المتوقع من الثلاثة الفصول التابعة للصف الثامن هو (150 ألف ريال) من العملة القديمة، وعلى ذلك يمكن قياس بقية فصول المدرسة الواقعة في حي سعوان بالإضافة إلى المدارس الأخرى في أمانة العاصمة التي قد تتحصل منها مبالغ أكبر من ذلك.

ويشتكي أولياء أمور الطلاب وعدد من التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء، من تعدد الرسوم التي يفرضها الحوثيون على طلاب المدارس الحكومية تحت مسميات عدة تفوق رسوم التسجيل في المدارس الخاصة.

والد الطالبة هاجر يقول  إن الحوثيين فرضوا على الطلاب في مدرسة طفلته بحي شملان دفع مبلغ 3 آلاف ريال شهرياً مقابل رسوم التسجيل، في حين فرضت بعض المدارس هذا المبلغ أسبوعيا على الطلاب.

ومنذ سيطرتها على مؤسسات الدولة في صنعاء، تفرض جماعة الحوثي حملات جبايات لدعم عملياتها الحربية وأنشطتها الطائفية تحت عناوين ومبررات مختلفة لاسيما ما تسميه “القوة الصاروخية والطيران المسير”.

يواصل الحوثيون استغلال العملية التعليمية في مناطق سيطرتهم بشتى الوسائل ضمن مساعي الجماعة القائمة على تسخير كل سبل الحياة لخدمة حربها الطائفية على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي.

وفي تقرير لفريق لجنة الخبراء الخاص بالعقوبات الدولية والتابع لمجلس الأمن، ذكر ضمن مصادر التمويل العسكري لجماعة الحوثي قيامها بحملات جمع التبرعات لدعم الطيران المسير، عبر خاصة في بنوك صنعاء.

من بين هذه الحملات، تجبر جماعة الحوثي طلاب المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرتها على دفع مبالغ مالية بصورة منتظمة، ما اعتبره مراقبون بمثابة حبل تلفه الجماعة على رقاب أولياء أمور الطلاب المتوقفة رواتبهم منذ قرابة عشر سنوات.

وهذه الحملة مثبتة بإيصال نقدي اطلع  لتحصيل قيادة الجماعة مبلغ (20,956,250) ريال يمني من مكتب التريبة والتعليم التابع للحوثيين في العاصمة المختطفة صنعاء.

ومن هذا المنطلق، نحاول تسليط الضوء على واقع العملية التعليمية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي وكيف قامت الجماعة بإقصاء الكادر التربوي المؤهل واستبداله بآخر لا يملك أي خبرة سوى ولائه للحوثيين.

ومنذ أكثر من ست سنوات، شرع الحوثيون بتغيير مدراء المدارس الحكومية وإضافة مشرفين تابعيين لهم، بما يتناسب مع مخططاتهم في تجييش العملية التعلمية كما اتضح لاحقا.

بطبيعة الحال يمكن قراءة توجه الحوثيين نحو جمع التبرعات من المدارس لتمويل حربها من عدة اتجاهات، وكلها تنعكس على الضغوط المالية التي تواجهها الجماعة منذ انقلابها على مؤسسات الدولة قبل عشر سنوات.

يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي، إن وصول الحوثين إلى درجة فرض مبالغ على طلاب المدارس باسم التبرعات لعملياتها العسكرية، هو لحل جزء من الأزمة المالية التي تعيشها الجماعة.

وعبر توفيق الحميدي عن أسفه، كون ذلك يأتي على حساب الأُسر المعدمة، مؤكداً بأن الحوثيين لا يهتمون لما يعانيه المواطن اليمني من أوضاع اقتصادية صعبة بسبب النزاع ومشيراً إلى أن هذا الأمر تسبب بتسرب معظم الطلاب من المدارس.

وفي حديثه بين الحميدي، أن هناك اتجاه آخر وراء تصرفات الحوثيون تجاه المدارس في مناطق سيطرتهم، فالجماعة تسعى إلى ” إشعار الجميع أنهم جزء من المعركة خاصة الطلاب ولو علي حساب الأهداف التعليمية، وهذا السلوك يرسخ ثقافة العنف ويعليها علي التعليم”.

وأضاف أن هذه الخطوة تأتي في سياق أيدلوجي، مشيرا إلى أن الجماعة تسعى إلى نشر أيدولوجيتها في الحقل التربوي، لإيجاد جيل يدين بالولاء المطلق لها، ويحذر الحميدي من خطورة ذلك مستقبلاً في ترسخ تبعية النظام التعليمي للجماعة.

في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطنين خصوصاً مع انقطاع الرواتب عن موظفي في مناطق الحوثيين إلا أن الجماعة ما تزال مستمرة بإجبار طلاب المدارس بالتبرع لعمليات العسكرية تحت مسميات مختلفة.

وفي هذا الجانب يذكر مدير منظمة سام للحقوق والحريات، بأن مثل هذا التوجه يكشف مدى استغلال جماعة الحوثي للعاطفة الدينية في نهب المواطنين وتغييب عقولهم، كما حدث مع استغلالها لحرب غزة.

 ويضيف أن هذا ضمن مخطط طائفي لتحويل المدارس الي معسكرات مصغرة وبؤر لثقافة العنف وزرع الولاء المطلق لها ولزعيمها، وعلى أن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى انحرف المدارس عن وظيفتها في إخراج جيل متصف بالعقلانية ومنشغل بالمستقبل.

معتبراً أن ممارسة الحوثيين لمثل هذه السلوكيات، يمثل انتهاكًا لحقوق الطالب الأساسية التي قال إنها تمنع تحميل الأطفال أي شكل من أشكال المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في النزاعات المسلحة.

وأشار توفيق الحميدي، إلى واقع العملية التعليمية في مناطق سيطرة الحوثيين أصبح أكثر مأساوية ويتسم بتحديات كبيرة، خاصة مع ما يبدو أنه استهداف ممنهج لتطييف التعليم، وتحويله إلى أداة لنشر أيديولوجيا معينة.

ويرى أن هذا التوجه يحمل عدة آثار سلبية، اهمها تدمير الهوية الوطنية بسبب ما يتلقاه الطلاب من تعليم يركز على أيديولوجيا أو طائفة معينة، بعيدًا عن الهوية الوطنية الجامعة التي توحّد المجتمع.

ارتكبت جماعة الحوثي سلسلة من الجرائم بحق العملية التعليمية، حيث كشف تقرير سابق لفريق الخبراء الدوليين عن قيام عناصر من جماعة حزب الله اللبناني بمراجعة المناهج الدراسية والإشراف على إدارة المخيمات الصيفية التي ينظمها الحوثيون سنوياً لطلاب المدارس من أجل حشد المقاتلين إلى الجبهات.

وفي هذا الإطار، يوضح رئيس منظمة سام للحقوق والحريت توفيق الحميدي، أن تعمد الحوثيين إلى إجراء تعديلات على المناهج التعليمية لتعكس رؤاهم وأفكارهم، لافتاً إلى أن هذا الأمر يؤدي إلى حذف أو تغيير بعض المفاهيم التي لا تتماشى مع أيديولوجيتهم.

ويضيف الحميدي خلال حديثه  أن “هذا التحريف يُشوه الحقائق التاريخية والدينية والثقافية، ويجعل التعليم وسيلة لغرس الأفكار المتطرفة بدلًا من بناء عقول نقدية ومستنيرة”.

ويشير إلى أن ترسيخ ثقافة العنف والتعبئة العسكرية من خلال تضمين محتوى يشجع على الجهاد أو يروج للولاء للجماعة في المناهج، يساهم الحوثيون في نشر ثقافة العنف بين الطلاب، وزيادة احتمالات تجنيدهم لصالح العمليات العسكرية.

وحذر في الوقت ذاته من خطورة تلقى الأطفال والشباب في مدارسهم رسائل تتعلق بأهمية الحرب والنزاع، بدلًا من التعليم حول السلام والتعايش والتسامح، الأمر الذي قال إن ساهم في إضعاف جودة التعليم وبمناطق الحوثيين إضافة إلى ضعف البنية التحتية، وانقطاع رواتب المعلمين.

وفي ختام حديثه  يقول الحميدي إن كثير من المعلمين يعانون من ظروف معيشية قاسية، دفعت بعضهم إلى الهجرة أو البحث عن مصادر دخل أخرى، مشيراً إلى أن هذا يؤثر على مستوى التعليم ويزيد من معدلات تسرب الطلاب، نظرا لنقص الكوادر التعليمية المؤهلة، وهذا بطبيعة الحال يشكل خطرا على التعليم وجودته.

ما يحدث اليوم من انتهاكات للعملية التعليمية في مناطق الحوثيين، يتناقض ما ورد في القوانين المحلية والدولية، بحسب حديث المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان، الذي قال إن الجماعة تفرض على الطلاب جبايات في المدارس بدلا من أن تهتم بتوفير المدرسة والمعلم والكرسي والطاولة والكتب وغيرها.

وذكر برمان في حديثه” أن جماعة الحوثي تفرض على الطلاب دفع مبالغ مالية لتمويل حربها على اليمنيين في الوقت الذي توجد فيه مدارس متهالكة، بالإضافة إلى وجود مدرسين بالآلاف دون رواتب في مناطق سيطرة الجماعة التي تعاني أساسا من عجز في الكادر التعليمي والكتب المدرسية والكراسي.

معتبراً أن استغلال الحوثيون للعملية التعليمة في تمويل أهدافهم الطائفية للسيطرة على مؤسسات الدولة، يمثل انتهاكا لحقوق المواطنين، كما أنها في نفس الوقت جريمة تمارسها عصابة مسلحة استولت على مؤسسات الدولة بأخذ أموال الناس جهراً دون صفة قانونية.

وينص دستور الجمهورية اليمنية على أن التعليم حق لكل مواطن يمني وتكفل الدولة مجانية التعليم، وتوفير مؤسسات تعليمية، وفقا للمادة (8) من القانون 45 لسنة 1992م نصت على مجانية التعليم.

كما أن القوانين الدولية كلها تلزمت الدولة على توفير تعليم مجاني خصوصا في المراحل المدرسية الأولى (الابتدائية – المتوسطة – والثانوية).

منذ عشر سنوات تبذل جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، جهودا حثيثة لتصفية التعليم الحكومي وفي الوقت ذاته تهيأ المجال لإنشاء تعليم طائفي موازي لذلك.

يذكر مدير مركز البلاد للدراسات حسين الصوفي، أن عملية جمع الجبايات من الطلاب سبقتها مراحل عدة، أبشعها الزج بالطلاب والتلاميذ في الجبهات دون تدريب، كما حدث في إحدى المدارس بمديرية بني حشيش حيث قتل قرابة 30 طفلاً من فصلين دراسين في المرحلة الأساسية.

وأضاف حسين الصوفي في حديثه لـ “المجهر” أن هذه ” الخطوة تلتها عملية احتلال ممنهجة للمدارس وتحويلها مواقع عسكرية، وما جريمة مدرسة الراعي بسعوان صنعاء ببعيد”.

كما أن ثم تفشي الغش الممنهج والسخرية من التعليم، مرورا بإهانة المعلم وحرمانه من رواتبه وصولا إلى اجبار الطلاب على دفع مبالغ يجمعها المعلم قسرا وهو المحروم من رواتبه عقداً كاملاً. حسب حديث الصوفي.

واستغرب الصوفي، من كون هذه المبالغ ليست لتعزيز العلمية التعليمية التي هم مسؤولون عنها، وإنما لما يسمونه “الطيران المسير” مؤكداً على أن ذلك يساهم في إفساد ذهنية التعليم لدى المنظومة كلها من المعلم والطالب والأسرة وتحويل التعليم الى عبئ وبالتالي تفكيك النظام التعليمي، لحساب بناء حوزات في أكثر من محافظة يمنية تقبع تحت سيطرة الحوثيين لتدرس الطائفية والتشيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى