مجزرة سناح .. جريمة الاحتلال التي أشعلت ثورة النضال الجنوبي

ليست مجزرة سناح مجرد ذكرى دامية تُستعاد كل عام، ولا حادثة حزن عابرة في سجل الجنوب العربي المثقل بالجراح، بل هي نقطة تحوّل كبرى في الوعي الجنوبي، اللحظة التي سقط فيها القناع نهائياً عن طبيعة المشروع الذي فُرض على الجنوب منذ ما بعد 1990م.
هناك، في مخيم عزاء بسيط، قررت قوى الاحتلال اليمني أن تُرسل رسالتها الأكثر دموية: كل من يتضامن، كل من يرفض، كل من يرفع صوته، هو هدف مشروع للقتل.
في سناح، لم يُستهدف أشخاص بعينهم، بل استُهدفت فكرة الجنوب ذاتها استُهدف التضامن، واستُهدفت الروح الجمعية، واستُهدف الحق في الحزن، والحق في الموقف، والحق في الوجود. كانت المجزرة عقابا سياسيا بامتياز، وجريمة مخططة لإخضاع الضالع لأنها قالت كلمتها بوضوح إلى جانب حضرموت، عقب اغتيال الشيخ سعد بن حبريش في وادي حضرموت، برصاص العقلية نفسها التي لا تعرف إلا منطق القمع.
منذ تلك اللحظة، صار الدم الجنوبي لغة واحدة، لا لهجات فيها ولا مناطق سناح لم تكن ضالع وحدها، كما أن وادي حضرموت لم يكن شأنًا محليا، بل كانا معًا إعلانا مبكرا أن الجنوب يُقتل كوطن، لا كمدن متفرقة.
واليوم، بعد اثني عشر عاما، يعود السؤال بصورة أكثر حدة: لماذا تكررت المجازر؟ ولماذا كان الجنوب دائمًا ساحة مفتوحة للقتل والفوضى؟ الإجابة لم تعد غامضة. السبب بسيط وخطير في آن: غياب القوة الجنوبية الحامية، وترك الأرض مكشوفة لقوى لا تؤمن بالجنوب ولا بأهله
من هنا، لا يمكن قراءة التحركات العسكرية والأمنية الأخيرة في وادي حضرموت بمعزل عن سناح، ولا عن غيرها من الجرائم التي ارتكبت عندما كان الجنوبي أعزل، ومجردًا من أدوات الدفاع عن نفسه. ما تقوم به القوات المسلحة الجنوبية اليوم ليس تصعيدا، ولا مغامرة، ولا استعراضًا، بل استجابة متأخرة لدرس كُتب بالدم: الفراغ يساوي مجازر، والتراخي يساوي عودة القتلة.
كما أن وجود القوات الجنوبية في وادي حضرموت هو إعلان واضح بأن الجنوب لن يسمح بتكرار سيناريوهات سناح، لا في حضرموت ولا في أي بقعة أخرى. هو وجود لحماية المواطن، لا لإخافته، ولتأمين الأرض، لا لاستباحتها. هو وجود يقطع الطريق أمام المليشيات الحوثية، والجماعات الإرهابية، وشبكات التهريب التي عاشت طويلًا على الفوضى، وتحركت تحت مظلة قوى لا يعنيها أمن الجنوب بقدر ما يعنيها إبقاؤه هشًا.
في هذا السياق، يبرز دور القيادة الجنوبية، وعلى رأسها الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، الذي تعامل مع حضرموت بوصفها عمقا استراتيجيًا لا ورقة تفاوض، واعتبر أمنها جزءًا لا يتجزأ من معركة الجنوب الكبرى. هذه المقاربة لم تأتِ من فراغ، بل من قراءة دقيقة لتاريخ المجازر، وفهم عميق أن الدم إذا لم تحميه القوة، يُستباح مرة بعد أخرى.
كما ان الدعوات الشعبية للاحتشاد في حضرموت لا يمكن اختزالها في إطار فعالية جماهيرية، بل هي فعل سياسي واعٍ، ورسالة مباشرة بأن أبناء حضرموت يدركون حجم اللحظة، ويرفضون أن تكون محافظتهم ممرًا للمشاريع المعادية، أو ساحة لتصفية الحسابات. هو التفاف وطني يعيد تعريف الانتماء: الانتماء للأرض، للأمن، وللمستقبل، لا للقوات المفروضة ولا للولاءات العابرة.
إن دماء شهداء سناح لم تُنجب الحزن فقط، بل أنجبت هذا الوعي، وهذه القناعة بأن الجنوب لا يُحمى بالبيانات، ولا بالانتظار، بل بقرار سيادي وقوة منظمة ومشروع وطني واضح المعالم
ومن الضالع إلى وادي حضرموت، تتكامل اليوم صورة الجنوب الذي تعلّم من ماضيه، وقرر ألا يكون ضحية مرة أخرى.
كما أن ذكرى مجزرة، سناح لن تُنسى، لا لأنها مجزرة فقط، بل لأنها كشفت الحقيقة كاملة، دون رتوش .. كشفت من يقتل، ومن يصمت، ومن يدافع وستبقى دماء شهدائها أمانة في أعناق الجنوبيين، تُترجم اليوم دعمًا للقوات المسلحة الجنوبية، ووقوفا صلبا خلف المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى يتحقق الهدف الذي حاولت المجازر منعه وهو جنوب آمن،، لا يُقتل فيه المواطن لأنه قال كلمته، ولا تُفتح فيه خيام العزاء على مقابر جماعية.
كما أن الجنوب العربي الذي خرج من سناح ليس هو الجنوب الذي يُستباح اليوم .. بل الجنوب الذي قرر أن يحمي نفسه بنفسه.












