مسجد العيدروس : إرث تاريخي وديني في قلب العاصمة عدن
العاصفة نيوز/ خاص

يُعد مسجد العيدروس أو مسجد أبو بكر العيدروس من أقدم المساجد التاريخية والإسلامية في مدينة عدن ومن أبرز معالمها الدينية والتراثية .
ويقع في شارع العيدروس بمنطقة كريتر ويُعتبر أحد المساجد الرئيسية في المدينة ويحمل المسجد اسم الإمام أبو بكر بن عبد الله العيدروس،
الذي أشرف على بنائه بعد وصوله إلى عدن في القرن التاسع الهجري وقبره يقع شمال المسجد وقد حظي المسجد بمكانة رمزية انعكست حتى على الطوابع البريدية القديمة لعدن.
– تأسيس المسجد وأهميته:
تُنسب فكرة بناء المسجد إلى الإمام أبو بكر العيدروس الذي يصل نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب،
الإمام الذي ورث لقب “العيدروس” عن والده السيد عبد الله بن أبي بكر اختار أن يكرّس حياته في عدن بعد حيث بدأ ببناء هذا المسجد ليكون منارة للعلم والتدريس ومكانًا لحل مشكلات الناس وجمع التبرعات لدعم الفقراء والمحتاجين وكان الإمام العيدروس شخصية بارزة ومعروفة بعلمه الواسع وذاع صيته ليصل خارج حدود عدن.
– التاريخ والعمارة: مراحل بناء متعاقبة:
بدأ بناء المسجد في عام 890 هـ/1485 م كمسجد صغير على الطراز الإسلامي التقليدي وفي ظل مكانة الإمام العيدروس الكبيرة توالت عمليات التجديد والإصلاح على مر العصور.
التجديد الأول: خلال العهد العثماني في عام 976 هـ/1568 م شهد المسجد أول عملية ترميم كبيرة بعد أكثر من ستين عامًا على وفاة الإمام العيدروس.
التجديد الثاني (الحالي): البنية الحالية للجامع تعود إلى عام 1274 هـ/1858 م حيث أُضيفت العديد من العناصر الجمالية والزخرفي وفي عام 1430 هـ/2009 م خضع المسجد لأعمال ترميم شاملة تضمنت تجهيزات حديثة مثل النجف الضخم والسجاد الفاخر.
– مظاهر العمارة والزخارف:
يُبرز مسجد العيدروس نمطًا معماريًا فريدًا يتسم بالأروقة الكثيرة دون وجود صحن أوسط وهو تصميم شائع في كثير من المساجد تُزيّن المسجد زخارف متنوعة أبرزها تلك التي نُفّذت بطريقة فريسكو بالألوان الزاهية (الأحمر والأزرق والأصفر) داخل القبة والمدخل.
المدخل الرئيسي: يتكون المدخل من قبة مميزة مزينة بزخارف نباتية وهندسية مرسومة على طبقة من الجص الجيري ويتصل المدخل بدرجات سلم تؤدي إلى الداخل ويواجهه عقد مفصص مستوحى من جوامع المغرب العربي.
القبة: القبة الكبيرة التي تغطي غرفة مربعة بداخلها توابيت خشبية، تضم قبر الإمام العيدروس وأفراد عائلته. من الداخل، تتزين القبة بنقوش نباتية وألوان مائية، من بينها زهرة القرنفل الشائعة في الزخارف العثمانية. كما توجد نوافذ وأبواب خشبية محفورة بنقوش دقيقة مستقدمة من الهند.
المنارة: المنارة المثمنة الشكل، الواقعة في الجدار الشمالي الشرقي، بُنيت من حجر الجبس الأسود، وتضم مشربيات خشبية بارزة تُستخدم للأذان. يعكس تصميمها التأثيرات الفنية الهندية.
– زيارة العيدروس: احتفال سنوي بالأصالة والتراث:
تُعد زيارة الإمام العيدروس من أهم المناسبات الدينية التي يحتفل بها أهالي عدن وتقام في 13 ربيع الآخر من كل عام هجري تزامنًا مع ذكرى دخوله إلى عدن عام 889 هـ يبدأ الاستعداد للاحتفال قبل الموعد بوقت طويل حيث تُزيّن المدينة والمسجد بالأعلام والأنوار.
خلال أسبوع الزيارة، تتوافد أعداد كبيرة من الزوار للمشاركة في الأنشطة الدينية التي تشمل تعريف الناس بالإمام العيدروس وإلقاء المحاضرات وتقديم البحوث من طلاب رباط العيدروس ويُختتم الاحتفال بمسيرة موكب كبيرة صباح الجمعة وتنطلق من منزل منصب عدن وصولًا إلى ضريح الإمام في المسجد.
أصل الاحتفال بالزيارة
يروي المؤرخون أن عادة الاحتفال بالزيارة بدأت أثناء حياة الإمام العيدروس، حيث كان يُحيي ذكرى دخوله إلى عدن، ويرافق ذلك توزيع الملابس والصدقات على الفقراء وبعد وفاته استمر هذا التقليد ليصبح مناسبة سنوية يُحتفى بها.
مسجد العيدروس ليس مجرد مسجد بل رمز تاريخي وثقافي يعكس حقبة زاخرة من تاريخ عدن ويعكس بناؤه وتاريخه وتراثه الروحي عمق ارتباطه بالمدينة وأهلها، ليبقى شاهدًا حيًا على عراقة عدن وتراثها الإسلامي الأصيل.