أبرزها التجنيد الإجباري.. انتهاكات حوثية مستمرة ضد المهاجرين الأفارقة في اليمن (تقرير خاص)
منذ انقلابها على الشرعية في اليمن 2014؛ تواصل جماعة الحوثي الإرهابية، ارتكاب انتهاكات شنيعة بحق المهاجرين الأفارقة، وتبرز هذه الانتهاكات، كواحدة من أكثر القضايا المثيرة للقلق على الصعيدين الإقليمي والدولي.
كشفت تقارير حقوقية ودولية عديدة، تورط جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية في ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق بحق المهاجرين الأفارقة أبرزها: التجنيد الإجباري والترحيل القسري وسوء المعاملة، كما تشير التقارير إلى تعرض المهاجرين للتعذيب الجسدي والنفسي والاعتداء الجنسي، في مراكز الاحتجاز، خاصة النساء والأطفال.
وبحسب التقارير ذاتها تحتجز الجماعة المدعومة من إيران، المهاجرين الأفارقة في ظروف قاسية، وتواصل ابتزازهم لدفع مبالغ مالية لتأمين الإفراج عنهم أو تجنب الاعتداء عليهم، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة بتصفيتهم في حال رفضهم الانصياع للأوامر أو محاولة الفرار.
في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول الفائت أعاد فريق الخبراء الأممي المعني باليمن؛ التذكير بمأساة المهاجرين الأفارقة، مؤكدا أن جماعة الحوثيين تواصل استغلال المهاجرين الإثيوبيين غير النظاميين، وإجبارهم على الانضمام إلى صفوفها للقتال ضد الحكومة المعترف بها، وكذا إجبارهم على الانخراط في أنشطة الاتجار بالمخدّرات.
وتطرق فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن (لجنة العقوبات) في تقريره النهائي المقدم إلى مجلس الأمن إلى الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة في اليمن تحت بند “الأعمال التي تؤثر على السلام والأمن والاستقرار في اليمن”.
وفيما أفاد التقرير الأممي في التبويب (ج) الفقرة (34) بوجود 92 ألف مهاجر غير نظامي في المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها جنوب اليمن؛ فإنه أكد أن الحوثيين جنّدوا مرتزقة من قبيلتي تيجراي وأورومو الإثيوبيتين، بمرتّبات تتراوح بين 80 و100 دولار.
وتعليقا على ذلك، يؤكد وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل أن جماعة الحوثي الإرهابية تواصل استخدام الضغط المادي والنفسي والترهيب والإكراه على الفئات الضعيفة بما فيهم المهاجرين الأفارقة لتجنيدهم والزج بهم للقتال في صفوفها، وكذلك استخدامهم في الأعمال القتالية كحفر المتارس والخنادق ونقل المؤن.
ويضيف فضائل في حديثه لـ”المجهر” أن جماعة الحوثيين تستخدم المهاجرين الأفارقة لتحقيق أهدافها التدميرية الخاصة، في انتهاك صريح لحقوق الإنسان والمبادئ الدولية التي تحظر تجنيد الأفراد بالإكراه، خصوصاً من الفئات المهمشة أو الضعيفة.
تستغل جماعة الحوثيين المدعومة من إيران الوضع القانوني غير المستقر للمهاجرين الأفارقة، في إجبارهم على التجنيد القسري والانخراط في الأنشطة القتالية، في صورة تكشف الممارسات اللا إنسانية التي يرتكبها الحوثيون بحق هذه الفئة التي تفتقر إلى الدعم المحلي والدولي، حيث يجد المهاجرون أنفسهم عرضة للتهديد بإعادتهم إلى بلدانهم أو اعتقالهم في حال عدم انصياعهم للأوامر.
ولم يقف تجنيد الحوثيين للمهاجرين الأفارقة قسرا عند حد معين؛ بل امتدت عمليات التجنيد لتشمل حتى أولئك الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وإجبارهم على المشاركة في الأعمال القتالية، الأمر الذي يُعد خرقًا صريحًا للقوانين الدولية والاتفاقيات التي تحظر تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، وفق تقارير حقوقية دولية.
في السياق، يقول توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات إن إجبار الحوثيين للمهاجرين الأفارقة على التجنيد “يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب، ويتعارض مع المواثيق الدولية التي تحظر استغلال الفئات الضعيفة في النزاعات المسلحة، خاصة المهاجرين الذين لجأوا إلى اليمن هربًا من ظروف صعبة”.
ويوضح الحميدي في حديثه لـ”المجهر” أن هذا الاستغلال يضع المهاجرين في خطر كبير، حيث يجبرهم على الانخراط في صراع لا علاقة لهم به، ويعرّض حياتهم وحياة عائلاتهم للخطر.
ويضيف رئيس منظمة سام إلى أن هذا التصرف “يعكس استغلالًا ممنهجًا للفئات الأشد ضعفًا، وهو جزء من استراتيجية أوسع لبعض الأطراف في النزاع اليمني لاستغلال الظروف الإنسانية السيئة لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية”. مشيرا إلى أن ذلك يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا، من خلال الضغط على الجهات المسؤولة لوقف هذه الممارسات، وإجراء تحقيقات مستقلة وتقديم المتورطين للعدالة.
إضافةً إلى التجنيد الإجباري، مارست جماعة الحوثيين عمليات الترحيل القسري بحق المهاجرين الأفارقة، حيث نفذت الجماعة المدعومة من إيران حملات واسعة لترحيل المهاجرين الأفارقة إلى مناطق النزاع والخطوط الأمامية، أو إلى دول مجاورة دون احترام حقهم في طلب الحماية.
وبحسب منظمة الهجرة الدولية، فإن الحوثيين استخدموا العنف خلال عمليات الترحيل القسري وأجبروهم على السير مسافات طويلة تحت ظروف صعبة دون توفير احتياجاتهم الأساسية، مشيرة إلى أن هذا الترحيل القسري لم يُنفذ فقط عبر الحدود، بل أيضاً عبر أماكن النزاع داخل اليمن، وهو ما يعرض المهاجرين لمخاطر جسيمة.
ولم تتوقف الانتهاكات عند حد الترحيل والتجنيد الإجباري، بل تجاوزتها لتشمل ممارسات التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز التي تديرها جماعة الحوثيين، حيث تواصل احتجاز المهاجرين في ظروف غير إنسانية وتعاملهم بوحشية في أماكن مكتظة تفتقر إلى أدنى معايير النظافة والرعاية الصحية، وفق منظمة العفو الدولية.
وذكرت المنظمة أن الحوثيين يستخدمون التعذيب لإجبار المهاجرين على الاعتراف بأمور لم يرتكبوها، أو لدفعهم إلى التنازل عن ممتلكاتهم وأموالهم، كما تعرضهم إلى العنف الجسدي والنفسي بشكل ممنهج، في انتهاك صريح للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
إلى ذلك، وثّقت تقارير حقوقية عديدة، حوادث قتل متعمدة استهدفت المهاجرين الأفارقة على يد الحوثيين، من خلال قيام الجماعة بتصفية بعض المهاجرين بطرق وحشية، بما في ذلك إطلاق النار عليهم أو تركهم للموت جوعاً في مراكز الاحتجاز.
وبهذا الصدد، تشير منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أنها وثقت في أحد تقاريرها حادثة بشعة وقعت في مارس/آذار 2021، حيث أقدم الحوثيون على إشعال النيران في مركز احتجاز للمهاجرين الأفارقة في صنعاء، ما أسفر عن مقتل 8 من المهاجرين وإصابة نحو 170بجروح منها خطيرة.
وفي مايو/آيار من العام التالي، قامت الجماعة المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية بإحراق مخيمات ومحلات مهاجرين أفارقة في منطقة الرقو الحدودية بصعدة، ما أسفر عن مقتل 17 شخصا وإصابة العشرات، في واقعة أثارت استنكارا دوليا واسعا.
في سياق متصل، ذكرت تقارير حقوقية أن النساء يتعرضن للاغتصاب والاعتداءات الجنسية بشكل متكرر، وسط ظروف الاحتجاز المزرية، مشيرة إلى وقوع اعتداءات جنسية وعمليات اغتصاب ضد المهاجرات الأفريقيات من قبل أفراد في جماعة الحوثيين في مراكز الاحتجاز.
وأكدت هيومن رايتس ووتش أن هذه الانتهاكات تُستخدم أحياناً كأداة للترهيب والإذلال، وغالباً ما لا يتم التبليغ عنها بسبب الخوف من الانتقام، في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية وحقوق المرأة، وممارسات تُعد جريمة حرب وفقاً للمعايير الدولية.
يرى حقوقيون أن غياب المساءلة لمعاقبة المتورطين في استغلال المهاجرين الأفارقة في اليمن؛ دفع جماعة الحوثيين إلى ارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق هذه الفئة الضعيفة، في ممارسات يمكن تصنيفها وفق المعايير الدولية بأنها جرائم اتجار بالبشر وانتهاك حقوق المهاجرين.
وتعليقا على ذلك؛ يوضح رئيس منظمة سام توفيق الحميدي أنه ينطوي على تلك الممارسات “عقوبات الجنائية كالسجن، أو عقوبات طويلة المدى لكل من يُدان بالاتجار بالبشر أو التعذيب أو العمل القسري أو الاعتداءات الجنسية، الغرامات الكبيرة لضمان ردع الأفراد والجماعات عن استغلال المهاجرين”.
وبحسب الحميدي فإن ذلك يشمل أيضا: “تجميد الأصول والممتلكات للمسؤولين عن شبكات التهريب والاستغلال، والملاحقة القانونية للمتورطين من داخل الأجهزة الأمنية”. لافتا إلى أنه إذا تورط مسؤولون حكوميون أو أفراد من القوى الأمنية، فيجب محاكمتهم ومحاسبتهم على الانتهاكات؛ كونهم استخدموا سلطتهم للإضرار بالفئات الضعيفة.
ويؤكد رئيس منظمة سام للحقوق والحريات في حديثه لـ”المجهر” أن تطبيق هذه العقوبات وغيرها من الإصلاحات القانونية يمكن أن يساهم في ردع الشبكات المتورطة في استغلال المهاجرين ويُحسّن من أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، ويظهر التزام اليمن بالمعايير الدولية لحماية حقوق المهاجرين.
يعتقد الحميدي أنه لحماية المهاجرين الأفارقة في اليمن من الاستغلال، يجب على الأطراف المعنية اتخاذ مجموعة من الخطوات الاستراتيجية، التي تتضمن جهودًا أمنية وقانونية، والتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية.
ويضيف : “يجب على السلطات اليمنية تعزيز قوانين مكافحة الاتجار بالبشر، وتشديد العقوبات على الاستغلال الجنسي، والعمل القسري، والتجنيد القسري للمهاجرين ،وكذلك إنشاء آلية قانونية واضحة لملاحقة المتورطين في استغلال المهاجرين، وتفعيل مؤسسات قضائية مستقلة تتابع حالات الاتجار بالبشر والانتهاكات ضد المهاجرين”.
ويشير توفيق الحميدي إلى ضرورة توفير مراكز إيواء آمنة للمهاجرين، خاصة للنساء والأطفال، تقدم لهم الحماية من الاستغلال وتوفر لهم الرعاية الأساسية من طعام وسكن ورعاية صحية، وكذلك توفير الاستشارة القانونية لمساعدتهم في تقديم الشكاوى ضد الجهات المتورطة في استغلالهم.
وعن دور المنظمات الأممية والدولية المعنية بشأن المهاجرين في اليمن، يرى الحميدي أنه “كان حاسمًا ولكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب الصراع المستمر”. في إشارة إلى الدور الذي تضطلع به الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية في هذا الإطار.
ويؤكد رئيس منظمة سام أن هذه المنظمات قدمت للمهاجرين: المساعدات وأنشطة الاستجابة الإنسانية، بالإضافة إلى التوعية والتدريب، رصد الانتهاكات وتوثيقها، والضغط الدولي والدبلوماسي لتوفير الحماية للمهاجرين.
وبحسب الحميدي فإنه “رغم الجهود المبذولة، هناك تحديات عديدة تواجهها هذه المنظمات، مثل صعوبة الوصول إلى بعض المناطق بسبب النزاع، واستهداف مقارها أو فرقها الميدانية، مما يحد من قدرتها على تقديم الدعم بشكل فعال، وكذلك شحة التمويل يعيقها عن تقديم المساعدات الإنسانية بالشكل المطلوب”.
ويختتم الرجل حديثه بالقول :”سعت بعض المنظمات إلى توفير حلول لإعادة التوطين أو العودة الطوعية للمهاجرين رغم محدودية الفرص المتاحة، وهو ما ساهم في حماية جزء من المهاجرين من الانتهاكات التي يتعرضون لها”.
ختاما؛ تعتبر الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة في اليمن من قبل جماعة الحوثيين نموذجاً صارخاً للتجاهل التام لحقوق الإنسان وكرامته، إذ لم تتوقف الانتهاكات عند حد معين، بل شملت جوانب متعددة تمس الحقوق الأساسية للأفراد، ما يجعل هذه الجرائم ذات أبعاد إنسانية خطيرة تستوجب تدخلاً دولياً حازماً.
وهذا الأمر يحتم على المجتمع الدولي والمنظمات الأممية تكثيف جهودهما لمتابعة هذا الملف وإدانة مثل هذه الانتهاكات، والعمل على تقديم الدعم للمهاجرين المعرضين للاستغلال، إلى جانب دعم الجهود الإنسانية الرامية لتخفيف معاناتهم وتوفير الحماية لهم.