وُلد في السعودية وانقلب على داعش والقاعدة.. أبرز محطات التحول في حياة أبو محمد الجولاني
عاد أحمد الشرع، وهو متشدد إسلامي في أواخر العشرينيات من عمره، إلى سوريا من العراق في عام 2011 مع ستة رجال وراتب شهري قدره 50 ألف دولار من أبوبكر البغدادي، الذي تحول لاحقًا إلى أكثر الإرهابيين المطلوبين في العالم. وكانت مهمته إنشاء جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
يقود الشرع الآن آلاف الرجال في تمرد مسلح يهدد بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وهو معروف بالاسم الحركي أبو محمد الجولاني.
وُلد الجولاني في العاصمة السعودية الرياض لأبوين سوريين من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل ونشأ في دمشق، وقال في مقابلة مع قناة PBS في عام 2021 إن الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد إسرائيل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين دفعته ليصبح جهادياً في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
ولفتت معرفته العميقة بسوريا انتباه قادته في العراق حيث كانوا يتطلعون إلى توسيع موطئ أقدامهم في سوريا خلال الثورة التي شهدتها البلاد.
وعلى مر السنين، زاد نفوذه على الرغم من أن هويته ظلت مخفية. وخلال المقابلات التلفزيونية، لم يواجه الكاميرا مباشرةً ودائماً ما كان يغطي وجهه في المرات التي كان يظهر فيها علانية.
وكان أول ظهور علني له في فيديو عام 2016 عندما أعلن انفصاله عن تنظيم القاعدة لإنشاء ما قال إنها جبهة معادية للنظام تركز على سوريا مع فصائل محلية أخرى، تسمى جبهة “فتح الشام”، والتي تغيرت لاحقًا إلى “هيئة تحرير الشام”.
وقال وقتها: “هذا التشكيل الجديد ليس له علاقة بأي جهة خارجية”، مبعداً إياه عن ماضيه المتطرف.
كان الانفصال استراتيجيا. وكان الهدف هو درء هجمات القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا، وكلاهما تدخلت في الحرب الأهلية السورية لاستهداف الجماعات الإسلامية مثل تنظيم القاعدة وداعش.
وكانت تلك أيضاً بداية تحول الجولاني التدريجي من الجهادي الكلاسيكي المناهض للغرب، إلى ثوري أكثر قبولاً. وقال لشبكة PBS في عام 2021 إنه لا يرغب في شن حرب ضد الدول الغربية.
سترة على الطراز الغربي
وفي السنوات التي تلت ذلك، استبدل الجولاني ملابسه الجهادية المكسوة بسترة وقميص على الطراز الغربي، وأنشأ حكومة شبه تكنوقراطية في إدلب، سيطرت عليها مجموعته، وأعلن عن نفسه كشريك معتمد في الجهود الإقليمية والغربية للحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط.
وقام بتنفيذ عمليات ضد داعش بما في ذلك عملية مقتل زعيم داعش في عام 2023، أبو الحسين الحسيني القرشي.
وعندما سُئل من جانب CNN عن التحول الذي مرت به شخصيته، قال الجولاني: “أعتقد أن كل شخص في الحياة يمر بمراحل وتجارب… فكلما كبرت، تتعلم، وتستمر في التعلم حتى آخر يوم في حياتك”.
ونشرت مجموعته هذا الأسبوع اسمه الحقيقي علناً للمرة الأولى في بيان أعلنت فيه السيطرة على حماة.
وقالت دارين خليفة، المستشارة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل: “لقد قام بتدمير كل العلاقات والأهداف العابرة للحدود القومية وقام بإزالة عناصر داعش والقاعدة من المناطق التي يسيطر عليها”.
بنبرة لطيفة في الكلام وبلحية جيدة الإعداد، جلس الجولاني، البالغ من العمر 42 عامًا، مع شبكة CNN للمرة الأولى هذا الأسبوع مرتديًا الزي العسكري الأخضر. لقد كان يتمتع بالثقة وحاول تقديم وجهة نظر مقبولة عالميا ومعتدلة خلال المقابلة، متجنباً الإشارة إلى الجهاد ومقدماً معركته مراراً وتكراراً على أنها “ثورة” لتحرير سوريا من اضطهاد الأسد.
كما حاول في ظهوره الإعلامي مؤخراً إظهار صفات القيادة التي اكتسبها على مر السنين في إدارة 4 ملايين شخص في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا.
وفي إدلب، شرع في حملة للقضاء على داعش وكذلك التهديدات المحتملة لنفوذه، واعتقل القادة السابقين وقضى على منافسيه.
وأثارت جماعات حقوق الإنسان ومراقبون محليون القلق بشأن معاملة هيئة تحرير الشام للمعارضين في إدلب مؤخرا، متهمين المجموعة بتنفيذ حملات قمع قاسية على الاحتجاجات وتعذيب معارضيها.
وقال الجولاني لشبكة CNN إن حوادث الانتهاكات في السجون “لم تتم بموجب أوامرنا أو توجيهاتنا”، مدعيا أن هيئة تحرير الشام قامت بمحاسبة المتورطين.
وعلى الرغم من محاولات إبعاد جماعته عن المنظمات المتطرفة، إلا أن الولايات المتحدة ما زالت تصنف جماعته الجديدة كمنظمة إرهابية واستهدفت أعضاء هيئة تحرير الشام الذين قاتلوا ذات يوم في صفوف تنظيم القاعدة، مما يثبت فشل محاولاته لتغيير النظرة نحو مجموعته.
لكن المشهد في سوريا والشرق الأوسط تغير منذ ذلك الحين، فإن انهيار النظام السوري يمكن أن يكسر أخيراً ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني—وهو شبكة من الدول والميليشيات الإقليمية المتحالفة، وقد يضع الجولاني في مكان يلعب فيه دوراً رئيسياً في تلك النتيجة على أمل أن يكسب القبول في المنطقة والغرب.