رسالة فلسطين في عيد الميلاد بقلم/ فادي أبو بكر

فادي أبو بكر

 

في عالم تسوده المظاهر والسطحية، تبدو العلاقات بين البشر أشبه بواجهات خالية من العمق والصدق. حيث أصبح الإنسان يُقيَّم بما يملك من ماديات، لا بما يحمله من قيم ومبادئ. ومع ذلك، ووسط هذا الزيف، تأتي لحظات توقظ فينا وعياً جديداً، حين نرى معاناة الآخرين، ونُدرك كم هي صغيرة همومنا أمام أوجاعهم.

من فلسطين، الأرض التي تمزج بين قداسة التاريخ ووجع الحاضر، أوجّه رسالتي إلى كل من يعيش في أمان نسبي في بقاع الأرض المختلفة. هنا، في هذه الأرض، يكافح الناس يومياً من أجل حقوقهم الأساسية .. في فلسطين أطفال يحلمون بالتعليم، بينما يحاصرهم الخوف والدمار، وآباء وأمهات يودعون أبناءهم الشهداء أو يحاولون لملمة بقايا حياتهم بعد أن هدمت منازلهم. ورغم كل ذلك، يبقى الفلسطينيون متمسكين بالأمل، مؤمنين بحقهم في الحياة، رافضين الاستسلام لظلم الاحتلال.

إن مشاهد المدن الفلسطينية – جباليا، النصيرات، خان يونس، رفح، بيت لاهيا، وبيت حانون – باتت رموزاً للصمود والمعاناة في وجه آلة القتل والتدمير. وتحمل هذه المدن قصصاً شاهدة على وحشية الاحتلال الإسرائيلي، وصمت العالم الذي اختار أن يغضّ الطرف عن معاناة شعب بأكمله.

لمن يعيشون في سلام، أدعوكم إلى التأمل في حياتكم، وفي النعم التي تحيط بكم. كم مرة شكوتم من أعباء بسيطة بينما هناك من يعيشون تحت الركام أو خلف القضبان؟ كم مرة تذمرتم من تفاصيل حياتكم اليومية بينما هناك من يقضون أعوامهم في ظلام السجون؟. إن الشكر الحقيقي ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو إدراك عميق لما نملكه، وتحويل هذا الامتنان إلى أفعال تخفف من معاناة الآخرين.

ومع حلول عيد الميلاد المجيد، نستحضر رسالة المسيح عليه السلام، الذي ولد في بيت لحم، على أرض فلسطين. حيث جاءت رسالته تحمل نور السلام والعدل والمحبة، أما اليوم، فإن فلسطين التي شهدت ميلاده، تعاني من احتلال يخاف من نور الحق أكثر من أي سلاح.

إن رسالة الميلاد ليست مجرد احتفال، بل دعوة لكل إنسان إلى أن يكون جزءاً من التغيير، فالعالم اليوم بحاجة إلى أصواتكم، وإلى أفعالكم، وإلى مواقف شجاعة تقف مع الحق والعدالة. وفلسطين ليست قضية بعيدة عنكم، بل هي قضية إنسانية تمسّ كل من يحمل ضميراً حياً.

شاركوا قصصها، وادعموا شعبها، وقفوا مع العدالة في كل مكان. وتذكروا في هذا العيد، بينما تجتمعون مع أحبتكم في دفء وطمأنينة، أن هناك شعباً يعاني لكنه لا يفقد الأمل. كونوا جزءاً من هذا الأمل، وساهموا في رفع الظلم، وتخفيف المعاناة، ونشر رسالة العدل والسلام.

في هذا العيد المجيد، ومع اقتراب نهاية عام آخر، تظل آمالنا متجددة رغم التحديات. وإذا كان عيد الميلاد يُحتفل به في كثير من أنحاء العالم كبداية جديدة وأمل متجدد، فإننا في فلسطين نعيش هذا المعنى في كل لحظة، وسط المعاناة والتحديات المستمرة، فكل يوم هو فرصة جديدة للتشبث بالحياة، وأمل جديد للبقاء على قيد الوجود، ولإبقاء الشعلة مشتعلة في قلوبنا رغم كل الصعاب.

في هذا العيد الذي يجسّد قيم المحبة والسلام، ندعو العالم بأسره للوقوف مع الحق الفلسطيني وتحويل مشاعر التضامن إلى أفعال حقيقية من دعم ونصرة، فإستعادة الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف هي الأساس لبناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية، حيث يسود التسامح وتتحقق الكرامة والحرية لكل الشعوب.

لن تتحقق العدالة إلا بتفعيل حقوق الشعوب كاملة دون استثناء، فلنعمل معاً لتحقيق عالم أكثر تسامحاً وإنسانية، حيث يتمتع الجميع بالحرية والكرامة، ولنجعل من تضامننا وقوفاً حقيقياً مع الحق، ولنبني معاً مستقبلاً يرسخ قيم السلام والعدالة لكل الشعوب.

فادي أبو بكر

كاتب وباحث فلسطيني

fadiabubaker@hotmail.com

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى