من يقف وراء مخطط المليشيات الرافضة الحوثية في تهديد الملاحة الدولية في البحر الاحمر؟

 

 

العاصفة نيوز/خاص

 

لا يزال التوتر يخيم على مضيق باب المندب وتحيط به دائرة التآمر الذي تمارسه مليشيا الحوثي بذريعة نصرة الأقصى وكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة في مقاومتها حرب الاحتلال الاسرائيلي على القطاع من خلال ادعاءها استهداف سفن تجارية بصواريخ وطائرات مسيرة على مرمى الجنوب بحسب ما أعلنته المليشيات الحوثية ومتحدث الجيش الأمريكي ما نجم عنه تهديد الملاحة البحرية  في المياه الاقليمية. 

أهم مميزات الجنوب الذي عرف بأهمية موقعه الاستراتيجي عقب إعلان استقلاله من الإحتلال البريطاني أثناء مراحل بناء الدولة حماية أمن الملاحة البحرية في خليج عدن وباب المندب إلى الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وجزره الجنوبية. 

وكانت القوات البحرية في الجيش الجنوبي قوة ردع لكل عابث في المنطقة على امتداد الملاحة البحرية للسفن التجارية من جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي وصولا الى وسط المحيط الهندي. 

باب المندب مضيق بحري يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب وهو نقطة تماس استراتيجي للأمن الخليجي الإفريقي. 

تزداد أهمية باب المندب منذُ افتتاح قناة السويس 1869 وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط فتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا وما زاد في أكساب الممر أهمية عرض قناة عبور السفن الواقعة بين جزيرة بريم التي تعود ملكيتها للجنوب والبر الإفريقي نحو 20كم وعمقها  100 – 200م مما يسمح للسفن وناقلات النفط بعبور الممر بسهولة على محورين متعاكسين متباعدين. 

كما ازدادت أهميته بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي حيث يقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنوياً (57 قطعة يومياً). 

كما يحتل موقع مضيق باب المندب أفضلية استراتيجية في السيطرة على الممر لامتلاكه جزيرة بريم إلا أن القوى الكبرى وحليفاتها إقامت قواعد عسكرية بالقرب منه وحوله لأهميته العالمية في التجارة والنقل. 

مضيق باب المندب هو رابع أكبر الممرات من حيث عدد براميل النفط التي تمر فيه يومياً وقد مر عبر المضيق نحو 3.8 ملايين برميل في اليوم عام 2013، بنسبة 6.7 في المائة من تجارة النفط العالمية وتدفق نحو 4.8 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة عبر باب المندب عام 2016 في اتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وفقا للإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة. 

بفعل معركة النفوذ على مضيق هرمز أصبحت الدول المجاورة تود بسط نفوذها على باب المندب كبديل حيث أن إسرائيل لديها نفوذ في المندب بالتنسيق مع جيبوتي وأثيوبيا. 

يعد التنافس من أجل السيطرة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر جزءً من صراع إقليمي أكبر بين إيران وحلفائها من جهة ودول المنطقة والسفن المارة من جهة أخرى. 

تساؤل يجسد إشكالية تلخص مفهوم عام تتجلى في الأتي: 

هل بإمكان هجمات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر أن تدمر الاقتصاد والأمن العالمي؟ 

وهل تحقق المليشيات الحوثية أهدافها في إخضاع المجتمع الدولي لتلبية رغباتها؟

بطبيعة الحال هذه ليست المرة الأولى التي تنتقل فيها الصراعات الإقليمية إلى مياه البحر الأحمر فعلى سبيل المثال هاجمت المليشيات الحوثية المتمردة أو احتجزت سفنا في السنوات الماضية تابعة لدول التحالف العربي الذي تقوده السعودية لاستعادة الدولة منذ عام 2015. 

كما أن الولايات المتحدة اتهمت إيران أنها عمدت إلى “مضايقة أو مهاجمة” 15 سفينة تجارية وهو ما اعتبره مراقبون ردا على العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على طهران عام 2018 وشملت تصدير النفط ومصادرة البحرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة السفن المحملة بالنفط الإيراني. 

ونظرا للأهمية الكبيرة للملاحة الدولية في البحر الأحمر الذي يعتبر مضيق باب المندب (الذي يطل عليه الجنوب وجيبوتي) بوابته الجنوبية اعتبر مراقبون أن الهجمات الحوثية تشكل تهديدا لأمن البحر الأحمر والاقتصاد العالمي برمته. 

فما الأهمية الاقتصادية لممرات البحر الأحمر؟ وما العقبات التي تقف في طريق تأمينها؟ 

وما التداعيات الاقتصادية والأمنية التي قد تنتج في حال استمرار تلك التهديدات وتصاعد وتيرتها؟ 

يعد البحر الأحمر الذي يربطه مضيق باب المندب من الجنوب بالمحيط الهندي وبحر العرب وتربطه قناة السويس شمالا بالبحر المتوسط شريانا مهما للتجارة والاقتصاد العالميين يقدر بنحو 12 في المئة من التجارة العالمية يمر بقناة السويس وفق العديد من التقديرات الدولية كما أنها تعتبر حلقة الوصل البحرية الأقصر والأسرع بين آسيا وأوروبا. 

خبير النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة يؤكد أن مياه البحر الأحمر وسيلة في غاية الأهمية لنقل النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة: “هناك ممرات حيوية تبدأ في مضيق هرمز [الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان ويربط بين الخليج وبحر العرب وخليج عمان] ثم مضيق باب المندب ثم قناة السويس. هذه الممرات الثلاثة هامة جدا بالنسة للتجارة العالمية بشكل عام وتجارة النفط الخام بوجه خاص حيث أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون إلى ستة ملايين برميل نفط تمر يوميا عبر باب المندب وقناة السويس إلى أوروبا والولايات المتحدة”. 

وأضاف سلامة: “حتى الآن الهجمات على السفن التجارية وعلى ناقلات النفط والغاز وحتى السفن الحربية الأمريكية كانت محدودة من جانب الحوثيين… لكن إذا استمرت وتوسع نطاقها، فذلك يعني أنه سيكون هناك تهديد مباشر للتجارة العالمية وتجارة النفط والغاز”. 

مع استمرار حالة التوتر بدأ بالفعل بعض شركات الشحن تحويل مسار سفنها عن قناة السويس وسلكت طرقا بديلة ومنها شركة الشحن البحري الإسرائيلية “زيم” التي أعلنت الشهر الماضي أنها اضطرت إلى اتخاذ ذلك الإجراء بسبب الأوضاع في بحر العرب والبحر الأحمر. 

سلك طرق بديلة يعني إطالة مدة الرحلة التي تقطعها سفن الشحن وهو ما يعني بدوره عرقلة سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفة النقل البحري كما أن زيادة التوترات سوف تؤدي إلى ارتفاع كبير في “كلفة التأمين على السلع العالمية وتجارة النفط والغاز” على حد قول د. سلامة الذي يضيف أن “الكثير من أصحاب شركات النفط والسلع الأخرى قد يترددون في إرسال سفنهم إلى مرمى الخطر وبإمتناعهم سيكونون قد أوقفوا إمدادات النفط والغاز الآتية من الخليج إلى أوروبا وأمريكا، وربما منطقة حوض الباسيفيكي أيضا. 

إذاً هناك خطر أن يحدث نقص في تلك الإمدادات وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وهو ما سيؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج الصناعي في العالم وكلفة السلع التجارية ومن ثم الإضرار بالنمو الاقتصادي العالمي”. 

وفي سياق متصل يرى خبراء نفط دوليين الدراسات الاستراتيجية والدولية “إن الأضرار التي ستنتج عن التهديدات الحوثية “لن تقتصر على دولة بعينها حتى ولو كانت سفنها هي المقصودة ولا سيما في وقت ازداد فيه الاعتماد على النقل البحري خلال السنوات الماضية بنسبة تفوق 400 في المئة ، وخاصة نقل السلع الاستراتيجية مثل النفط” مشيرة إلى أن عمليات الشحن التجاري “لديها حساسية عالية” من أي تهديدات لأمن الملاحة. 

ويتم التركيز أن التكنولوجيا الحديثة جعلت من الممكن “استهداف سفن تحتوي على سلع وبضائع بملايين الدولارات من خلال زورق صغير يحتوي على متفجرات لا تتجاوز تكلفته آلاف الدولارات، كما أن فرص المناورة والإفلات من الخطر في البحر كثيرا ما تكون ضئيلة جدا وبالرغم من وجود اتفاقية دولية تنظم الحقوق البحرية للدول هي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن هناك مشكلة في التطبيق تتمثل في ارتباط الخلافات حول الحدود البحرية لبعض الدول مع بعض الممرات المائية التي تراها تلك الدول جزء من مياهها الإقليمية”

كما أن أهم بعض ممرات نقل التجارة العالمية والتي يطلق عليها “نقاط الاختناق البحري” نظرا لضيقها وازدحام حركة مرور السفن بها، “تمر بمناطق صراعات، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يجعل تأمين تلك الممرات مرتبطا على نحو وثيق بقدرة الدول المطلة عليها على القيام بذلك حيث ينعكس الاستقرار الإقليمي على واقع الأمن البحري” فضلا عن ذلك فإن الطبيعة الجغرافية لبعض تلك الممرات على سبيل المثال مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه حوالي 20 كيلو مترا فقط تجعل من السهل استهداف السفن به سواء بشكل مباشر أو من خلال طائرات مسيرة بدون طيار. 

ومن بين الحوادث التي تدلل على الأهمية الاقتصادية الكبيرة لممرات البحر الأحمر حادث جنوح سفينة الشحن “إيفر غفين” في قناة السويس في عام 2021 وعرقلتها ذلك المجرى الملاحي المهم على مدى ستة أيام وهو ما أدى إلى عرقلة حركة التجارة الدولية وتأخر وصول العديد من السلع إلى المستهلك وارتفاع أسعار النفط. وتسبب الحادث في خسائر للاقتصاد العالمي قدرت بمئات الملايين من الدولارات. 

ومع استمرار الحرب في غزة وتصعيد الحوثيين من تهديداتهم بإستهداف أية سفن دولية متجهة إلى إسرائيل، بعد أن كانوا يقولون إنهم سيستهدفون السفن التي لها علاقة بإسرائيل فقط ومع إعلان الولايات المتحدة في الثالث من ديسمبر الحالي إسقاط ثلاث طائرات مسيرة قالت إنها كانت تستهدف سفنا تجارية في البحر الأحمر وإعلان فرنسا بعد ذلك بأسبوع أن سفينة حربية تابعة لها في مياه البحر ذاته أسقطت مسيرتين أطلقتا صوبها من ساحل اليمن وازدادت المخاوف مما وصفه البعض بعسكرة البحر الأحمر. 

في ظل التهديد المتنامي للملاحة الدولية الذي تمارسه مليشيا الحوثي الارهابية من خلال مغازلتها بالاستهدافات التحذيرية للسفن التجارية نجد أنها ترسم جدلا غامضا يجر خلفه أهدافا مستقبلية. 

تصاعد الهجمات التي تستهدف السفن التجارية التي تمر بهذا الممر المائي الاستراتيجي في العالم تتنوع أدواتها في تحقيق مصالحها. 

فوفق ما غردت به رويترز عن قوة مكافحة القرصنة في الصومال التابعة للاتحاد الأوروبي أن سفينة تابعة للبحرية الإسبانية تبحر بأقصى سرعة بإتجاه سفينة تجارية قد يكون قراصنة قد اختطفوها. 

وأضافت القوة في بيان: “استنادا إلى المعلومات الأولية المتاحة عن السفينة إم.في روين فإن السفينة الإسبانية فيكتوريا الرائدة في عملية أتلانتا التابعة ليونافور تتقدم بسرعة نحو السفينة، التي يقال إن قراصنة اختطفوها سعيا لمزيد من المعرفة وتقييم الإجراءات التالية”. 

وقالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إنها تلقت تقريرا من أحد ضباط أمن السفينة التي ترفع العلم المالطي وتشغلها شركة بلغارية قال فيه إن الطاقم لم يعد يسيطر على السفينة التي تتجه حاليا نحو الصومال مشيرة إلى أن هذه أول عملية اختطاف يشارك فيها قراصنة صوماليون منذ سنوات. 

ويدخل القراصنة الصوماليون خط المواجهة ففي الـ 15 من ديسمبر أعلنت البحرية الهندية افتقاد السفينة روين اختطفها مجهولون قبالة جزيرة سقطرى وقالت أنها تلاحق ناقلة بضائع استولى عليها مهاجمون مجهولون يعتقد أنهم قراصنة صوماليون في بحر العرب. 

ومع تعدد الهجمات وتنوعها مليشيا الحوثي تقر وتعترف  بإستهداف سفينتي حاويات في البحر الأحمر بصواريخ بحرية في خطوة نحو التصعيد لهجماتها ضد الملاحة الدولية بذريعة أن السفينتين متجهتين الى الكيان الصهيوني وان طاقميهما رفضا الاستجابة لنداءات المليشيات والرسائل التحذيرية النارية. 

وقالت المليشيات أنها حذرت في بياناتها كافة السفن المتجهة الى الموانئ الإسرائيلية من الملاحة في البحرين العربي والاحمر معلنة استهداف أي سفينه تخالف ما ورد في بياناتها. 

وبحسب إفادة مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية تعرضت سفينة شحن ترفع العلم الليبيري لإصابة واشتعال النيران فيها جراء إصابتها بصاروخ حوثي كما أن إحدى حاوياتها سقطت في البحر جراء الهجوم. 

اليابان بدورها تفتح قنوات اتصال دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة مع مليشيا الحوثي وعبر السعودية وسلطنة عمان وإيران ومع إسرائيل للضغط على المليشيات الحوثية والتأثير عليها لإطلاق السفينة جلاكسي ليدر القادمة من أوروبا في طريقها إلى الهند والافراج عن أفراد طاقمها المكون من أوكرانيين وبلغاريين وفلبينيين ومكسيكيين ورومانيين. 

ازدياد التوتر في البحر الأحمر بفعل الهجمات الحوثية جعل هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية توجه كل القطع البحرية بالتحرك بحذر والإبلاغ عن أي اشتباه في البحر الأحمر. 

ما تصطنعه مليشيا الحوثي من هجمات في البحر الأحمر يثير زوبعة تمنح عبرها القوى العظمى وإسرائيل تذكرة استضافة دائمة على مضيق باب المندب ومحيطه وتستدعي دول العالم للسيطرة والتحكم بتسيير خطوط الملاحة البحرية من خلال ما دعت إليه الولايات المتحدة 

عبر تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن واشنطن تبحث حاليا إنشاء قوة من تحالف دولي كقوة ردع لحماية الملاحة بالبحر الأحمر 

الاحتلال اليمني الجديد بتوجهه الإرهابي لعب على متناقضات الوضع واستغل الجنوب وموقعه الهام قاعدة انطلاق لابتزاز العالم من خلال تعريض ممرات الملاحة البحرية لعمليات إرهابية وجرائم قرصنة مع معرفة حجمه الطبيعي. 

رغم هزيمة المليشيات الحوثية ودحرها من أرض الجنوب إلا أنها لاتزال تتغذى ذات السلوك الارهابي من القوات الإيرانية لتدعيم قدراتها وامكانياتها لإنفاذ المخطط المرسوم في استقطاب القوى الكبرى عبر استهداف الامن الملاحي والممرات المائية في باب المندب. 

يتوجب على المجتمع الدولي أن يكون جادا في الاسراع بتبني قرار بإنشاء تحالف دولي خاص بأمن المنطقة والملاحة الدولية بمشاركة الجنوب مشاركة فاعلة بقواته المسلحة بحيث يهدف في قائمة أولوياته إلى بتر الأيدي الممولة للإرهاب وضرب قدراتها وقاعدتها ومصدرها المتمثل بإيران. 

دور الجنوب في حماية الممرات المائية والملاحة البحرية في البحر الأحمر من هجمات المليشيات الحوثية أذناب إيران يأتي في سياق ما أكده الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في استعداد القوات الجنوبية التام للإسهام الفاعل والمحوري في حماية امن واستقرار ممرات الملاحة البحرية في باب المندب وخليج عدن والبحر الاحمر بالشراكة والتنسيق التكاملي مع الشركاء الاقليميين والدوليين انطلاقا من تعزيز وتطوير قدراتها على التنفيذ الناجح لمثل هكذا مهام نوعية وذات الضرورة القصوى.

العاصفة نيوز: الحقيقة الكاملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى