“طوفان الأقصى” وسؤال حول الأمة …

1- “الأمة” انتماء عقائدي وعاطفي

لقد ظل راسخا في وعي الأجيال السابقة منذ «معادلة» الدعوة المحمدية، أن المسلمين أمة واحدة، بغض النظر عن أعراقهم ولغاتهم وانتماءاتهم الجغرافية أو الطبقية. إنهم “أمة” تجمعهم عقيدة التوحيد، ويجمع بينهم محبة الله ومعاني الرحمة والتعاون والتأييد. وينتصرون لبعضهم البعض بمقاومة المعتدين ومنع تحول بعضهم إلى ظالم ومستكبر.

فالمؤمن ينصر أخاه ظالما أو مظلوما. ويحفظه من الظلم إذا ظلم، ويأخذ على نفسه إذا ظلم. فالمؤمن يفرح لفرحة أخيه ويتألم لوجعه. «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وكأن الأمة جسد واحد. «إذا اشتكى منه عضو تألم منه». وسائر الجسد بسبب السهر والحمى “. وفي الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه». لا يؤمن بي» (رواه الطبراني في الكبير). الأمة بالمعنى القرآني وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. فهو ليس مجرد كتلة بشرية في منطقة جغرافية، وليس مجرد “شعب” تحكمه سلطة سياسية، وليس نسبا أو طبقة.

وهي هوية أخلاقية تحكمها القيم والأفكار والمشاعر والأهداف، ويتسع نطاقها بقدر ما تتسع المعاني العظيمة للإسلام العظيم. وحيث ينجذب الناس إلى قيم الإسلام ومعانيه، فإن حضور الأمة حاضر كمفهوم، كشعور، كمسؤولية، وكشعور بالانتماء، وحيث يقع الظلم أو البلاء على بعض المسلمين، فمن واجب الدعم والإغاثة والتضحية استجابة لأمر الله. تعالى وليس بدافع حسابات سياسية أو منافع اقتصادية.

هوية أخلاقية تحكمها القيم والأفكار والمشاعر والأهداف، ويتسع نطاقها بقدر ما تتسع المعاني العظيمة للإسلام العظيم. وحيث ينجذب الناس إلى قيم الإسلام ومعانيه، فإن حضور الأمة يكون حاضرا كمفهوم، كشعور، كمسؤولية وانتماء، وحيث يقع الظلم أو البلاء على بعض المسلمين، فهو واجب الدعم والإغاثة والتضحية.

الانتماء إلى «الأمة» ليس مجرد انتماء قانوني، بل هو انتماء مذهبي وعاطفي، وهو حالة من الاستعداد الدائم لخدمة أبناء الأمة أينما كانوا، ومتى احتاجوا إلى الدعم والمساندة. وفي الحديث عن أنس بن مالك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا فليس منا». من لا يرحم صغيره لا ينتمي إلى الأمة الإسلامية سواء في السلم أو في حالة الحرب، ومن لا يحترم كبيرها لا ينتمي إلى الأمة. وهم رواد سواء في العمر أو الجهاد أو الفكر أو الدعوة. الأمة لها تاريخ وحضارة وخبرات راكمتها الأجيال. ولا يفارق جيل الذي سبقه، ولا يتفوق كبير على صغير. إن لأمتنا قيما ومعاني تجعلها محصنة ضد ظاهرة «صدام الأجيال» المعروفة في الكثير من المجتمعات الغربية.

2- أين “أمة” غزة؟

إن مسألة “الأمة” ليست جديدة. وهو ما يطرح منذ حملة نابليون على مصر عام 1798، ثم سقوط الخلافة ونشوء الدول القطرية بعد خضوعها للاستعمار المتعدد الجنسيات. وبدأت كل «دولة» تدور في فلك عالمي تبحث عن الحماية ورعاية مصالح المستعمر الذي خرج بجيوشه وبقي حارسا لمصالحه.

لقد اختفى مفهوم الأمة ولم يعد له أي أثر في سياق التاريخ. واكتفى المسلمون بالانقسام بين تنظيمين يجتمع فيهما الملوك والرؤساء والسلاطين لإصدار البيانات. تارة باسم «الجامعة العربية» وتارة باسم «منظمة المؤتمر الإسلامي»، لم تكن هذه الدول القومية متحدة في الموقف أو الممارسة، بل كثيراً ما كانت تتآمر على بعضها البعض بأوامر خارجية.

السؤال عن «الأمة» يطرح اليوم بجدية أكبر بعد 7 أكتوبر 2023، عندما فجر «طوفان الأقصى» النظام العالمي برمته، وأصبحت غزة صانعة للمشهد العالمي وكشفت زيف فلسفة الغرب. حول حقوق الإنسان وحول العالمية والحضارة والحداثة. لقد تحول شهداء غزة إلى رسل تجوب أرواحهم أكبر مدن العالم وأعرق الجامعات الغربية. وفجأة يثور الشباب الطلابي ضد صناع القرار في تلك الدول، ثم تظهر أعلام فلسطين والكوفية في كل أنحاء العالم، وكأن آلاف شهداء غزة هم من يحركون العالم، ويزعجونه بالأسئلة، ويثيرون تساؤلاته. الضمير النائم. غزة “المدمرة” تحولت إلى أرقى مدرسة دولية لتعليم فلسفة الحياة ومعنى الإنسانية وقيم الجمال والحب وفضيلة الشجاعة والصبر والتضحية.

في هذا الجو العاصف، وفي هذه المرحلة التاريخية المتفجرة، أغلب دول الأمة الإسلامية نائمة، وأغلب شعوبها غائبة عما يحدث. وكأن أهل غزة ليسوا أعضاء في «الأمة»، وكأن مفهوم الأمة كاانتماء مذهبي وعاطفي قد اختفى بسبب ثقافة الاستهلاك، وبسبب هيمنة الدول القوية عسكرياً واقتصادياً، حتى وبدأ الفرد المسلم يعاني من عقدة الهزيمة أمام الحضارة المادية المنتصرة والنظام العالمي السائد.

رغم الدروس العملية التي يقدمها «طوفان الأقصى» حول كيفية انتصار الإرادة على الظلم، وكيف تتحول أشواق التحرر إلى مهارات إبداعية لتوفير وسائل المقاومة وأدوات مواجهة قوة الشر العالمية لأكثر من ثمانية أشهر دون تردد أو تراجع، رغم تزايد أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ. ورغم شحة ضروريات العيش بسبب طول الحرب وحصار وقصف المستشفيات ومخازن المساعدات الغذائية، لا شيء يوحي بأن «الأمة» أصبحت معنية بما يحدث، وبما يهدد شعبها وشعبها. الحكام. وفي الواقع، ليس هناك ما يشير إلى أن “الأمة” الإسلامية تستعد لاستعادة خرابها الروحي والعقلي والعاطفي.

بعض ردود الفعل الشعبية في بعض شوارع المدن العربية، وبعض جهود الدعم الإعلامي والاقتصادي والعسكري، رغم أهميتها، لم تستطع حتى الآن أن تمثل رسالة جدية لقوى الشر مفادها أن “الأمة الإسلامية” لن تترك غزة لتعيشها. الذبح، لن يترك القدس للتهويد، ولن يترك الحضارة تضيع. جوهرها الإنساني.

3- مستقبل “الإنسان”

ولا توجد محنة إلا حبلى بالهدية إذا استطاع الممتحنون أن يحولوا الأزمة إلى فرصة، ويحولوا الألم إلى أمل، ويحولوا الخيانات إلى دروس.

لقد تجاوز “طوفان الأقصى” أهميته الرمزية ليتحول إلى طوفان حقيقي يجتاح باطل قوى الشر العالمية، ويكشف قبح الدول التي تدعي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ويهزم عددا من فلاسفة العصر الحديث الذين وظلت على مدى عقود من الزمن رمزا لدى العديد من طلاب الفلسفة والباحثين في الحضارة والحداثة.

وبالشهداء الذين قدموا، والألم الذي عانوا منه، والجوع والحزن الذي أصابهم، استطاع أهل غزة أن يضعوا قضيتهم في مقدمة اهتمامات الرأي العام العالمي. واستطاعوا إخراج القضية من أروقة المنظمات الدولية الاحتيالية ونشرها أمام أعين الناس دون وسيط سياسي، ولكن فقط بدعم إعلامي من البعض. قنوات وشخصيات عينها التاريخ لمهمة شريفة ومقدسة.

لقد تجاوز “طوفان الأقصى” أهميته الرمزية ليتحول إلى طوفان حقيقي يجرف زيف قوى الشر العالمية، ويكشف قبح الدول التي تدعي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ويهزم عددا من فلاسفة العصر الحديث. الذين ظلوا لعقود من الزمن رموزا لدى العديد من طلاب الفلسفة والباحثين في الحضارة والحداثة. “الأقصى” أعلنت عنصريتها تجاه الفلسطينيين وتجاه العرب والمسلمين. لقد أصبح من الواضح أنهم لم يكونوا إنسانيين ولم يكونوا منتجين للمعرفة، بل كانوا يخضعون الحقيقة لخدمة الصهيونية العالمية.

ومهمة المثقفين من مفكرين ودعاة وإعلاميين وفنانين وسياسيين هي العمل على الجبهة التوعوية، وهي جبهة لا تقل أهمية عن جبهة الجغرافيا، حيث يتوحد الشباب المقاوم. فالمقاومة الثقافية مقدمة، وهي مرافقة، وهي حاضنة المقاومة المادية على جبهات الجغرافيا.

إن الأطفال والشباب الذين عايشوا المحنة بتفاصيلها المؤلمة، سواء في الميدان أو عبر وسائل الإعلام، لا يمكن أن يستمروا في جهلهم بمشاريع الدوائر الاستعمارية التي توكل شعبنا إلى من ينتج ثقافة التفاهة والسخافة والعبث. واللامبالاة.

x.com/bahriarfaoui1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى