بعد توقف مصانع في تركيا بسبب رحيل العمال السوريين.. عامل يروي ل العاصفة نيوز صعوبات العمل هناك


من يحتاج الآخر أكثر.. تركيا بمصانعها التي قد تفرغ من العمال أم اللاجئين السوريين؟

في أعقاب أعمال التخريب التي تم فيها حرق مئات أماكن العمل والمنازل والمركبات في قيصري، غادر المدينة ما يقرب من 3 آلاف سوري يعملون في المنطقة الصناعية المنظمة.

توقف الإنتاج في 15 مصنعًا، وأصحاب العمل الذين يقولون إنهم ضحايا ولا يستطيعون سد هذه الفجوة في التوظيف، يترددون حتى في ذكر أسمائهم، لأنه يخشى أن يكونوا هدفاً للمخربين.

كما ضرب التخريب العنصري ضد السوريين في قيصري بحسب صحيفة يني شفق المنطقة الصناعية المنظمة، قلب المدينة من حيث الإنتاج.

وعلى الرغم من أن الأمور قد هدأت على ما يبدو في فترة الثلاثة أسابيع التي أعقبت أحداث 30 يونيو/حزيران و1 يوليو/تموز، إلا أن السوريين، الذين واجهوا إلى حد كبير نقص العمالة في الصناعة، بدؤوا في مغادرة المدينة.

وعلم أن 3 آلاف عامل سوري غادروا المدينة خلال 3 أسابيع، قال رجال الأعمال الذي تحدثت إليه صحيفة يني شفق: “الموظفون السوريون يسدون فجوة مهمة.. إذا لم يعودوا، فمن المحتم أن نقوم بتوظيف عمال آخرين من سوريا أو غيرهم من العمال المهاجرين”. ومع ذلك، فإن أصحاب العمل الذين يتمردون على المخربين في الاجتماعات الخاصة يخشون الكشف عن أسمائهم.

في هذا السياق قال شاكر الحمصي وهو اسم مستعار لسوري يعمل في تركيا: “أعمل في ورشة نجارة يعمل فيها 13 عاملاً، 8 منهم سوريون و5 أتراك وهذه الورشة تابعة لشركة كبيرة “.

وأضاف: “نسبة كبيرة من العمال السوريين الذين غادروا قيصري مخالفون، والأوراق الثبوتية التي يقيمون فيها في تركيا قد تكون تابعة لولاية أخرى، ومع التدقيق الأمني الذي حصل فقد رأوا أنه من الأفضل مغادرة المدينة وهو أمر لم يعجب البعض من أصحاب الأعمال مع ما حدث مؤخراً في قيصري”.

وواصل حديثه: “أعرف عمالاً آخرين في الشركة الذي أعمل بها تركوا تركيا وغادروا، منهم من عاد إلى سوريا، وآخرون توجهوا إلى بلاد أخرى، وآخرون يخططون لمغادرة تركيا نهائياً”.

وعن معدل الرواتب أوضح الحمصي أن ” الرواتب التي يتقاضاها معظم من أعرفهم تتراوح بين 500 – 900 دولار، وهو أمر يرجع لمدى احترافية العامل”.

وأردف حديثه: “من المفترض أن يكون هناك لكل عامل في تركيا إذن عمل، وتأمين، وهو أمر قد يكلف أصحاب المصانع بعض المال، فيلجأ بعضهم إلى تشغيل العمال بدون أوراق رسمية وهو أمر يستفيد منه أصحاب المصانع مادياً، ومع موجة الرحيل التي تحدث اليوم فإنهم مضطرون للبحث عن عمال من جنسيات أخرى، والتي غالباً ما تكون من إيران أو الهند”.

وأكمل حديثه ل العاصفة نيوز: “أفكر اليوم بشكل جدي بخيارات أخرى، أحب العودة إلى سوريا ولكنها غير جاهزة لاستقبالنا اليوم بسبب الكثير من المشكلات التي ما زالت موجودة وعلى رأسها الاقتصادية، لذلك من الممكن أن أتجه إلى بلد آخر، لا أعرف إلى أين بالضبط، ولكن أعرف أنه يتوجب علي المغادرة”.

السوريون يغلقون العجز

وبحسب البحث الميداني الذي أجرته يني شفق، توقف الإنتاج في 15 شركة بعد الهجمات التي وقعت في المنطقة الصناعية المنظمة في قيصري، حيث يوجد 1605 شركات. في المقابل، فإن 10% من أصل 30 ألف عامل سوري يعملون في المنطقة الصناعية المنظمة، أي 3 آلاف، تركوا عملهم وعادوا إلى سوريا.

هناك قلق كبير من أن الموظفين السوريين المتبقين، الذين يشكلون العمود الفقري لمنظمة المنطقة الصناعية المنظمة، سوف يتركون وظائفهم بسبب الاستفزازات، في قيصري، حيث توجد 5 جامعات، يريد جميع الشباب تقريبًا وظيفة يمكنهم من خلالها التسجيل في أقسام مدتها سنتان أو أربع سنوات ومن ثم العمل في مكتب. ولذلك لا يمكن العثور على عمال للعمل في وظائف تسمى بالموظفين المتوسطين. ويعمل السوريون، الذين يسدون هذه الفجوة، في العديد من مجالات الأعمال مثل التجميع والتعبئة والتغليف والنقل.

ما تأثير رحيل اللاجئين؟

تركت العمالة السورية أثرها على الاقتصاد التركي، فأصحاب العمل الأتراك استفادوا من خبرة وجهد العمال السوريين. وتضاعف الإنتاج وتعاظم الربح وازداد التصدير، وهو ما ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تقليل الضغط على الليرة التركية.

من ناحية أخرى فإن السوريين يحتلون المرتبة الأولى في تأسيس الشركات في تركيا. ولذلك قال وزير التجارة التركي في عام 2020: إن عدد الشركات المملوكة للسوريين في تركيا بلغ 13880 شركة. بنسبة 2٪ من الشركات المملوكة للأجانب في البلاد. برأسمال 4 مليارات ليرة ما يعادل (480 مليون دولار).

في هذا السياق تقول الخبيرة الاقتصادية رباب ماردين ل العاصفة نيوز: “عندما جاء المستثمرون السوريون إلى تركيا أضاف ذلك إلى السوق التركي، لكن إن انسحبوا من الاستثمار مع انسحاب العمال من هناك، فذلك سيؤثر على سمعة السوق التركي مستقبلاً بالنسبة للمستثمرين الأجانب”.

أضافت: “عندما تنسحب نسبة من المستثمرين السوريين من الاقتصاد التركي فإن هذا الشيء سيؤثر على السوق التركي كما أن انسحاب العمال سيخلف فجوة في العمالة، التي أثبتت تميزها في مختلف القطاعات مثل الزراعة و التجارة والصناعة”.

ولفتت إلى أن “قطاع العقارات سيتأثر برحيل العمال والمستثمرين السوريين على حد سواء وسيعاني هذا القطاع من البطئ بعدما كان نشيطاً خلال فترة الوجود السوري هناك”.

تقول دراسات تركية عدة حكومية ومستقلة بأن الأثر الاقتصادي للسوريين إيجابي على الاقتصاد التركي الكلي والجزئي. ففي دراسة أعدّتها غرف التجارة والصناعة التركية تبيّن أن السوريين وحتى مطلع عام 2018م أسّسوا أكثر من 10 آلاف شركة في تركيا. وتتقاطع هذه النتائج مع أبحاث مؤسسة البحوث الاقتصادية “TEPAV”.

في دراسة أخرى أعدتها “مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية” بحسب موقع يحيى السيد عمر، تبين أن 55.4% من الشركات السورية العاملة في تركيا تصدر إنتاجها إلى الخارج، فهي تساهم بشكل مباشر في توفير القطع الأجنبي للاقتصاد التركي. وبالتالي تساهم في دعم الليرة التركية، وفي تقارير أخرى فإن السوريين يساهمون في الاقتصاد التركي بنصف مليار دولار سنوياً.

تقدّر نسبة الشركات السورية في تركيا مقارنةً بإجمالي الشركات الأجنبية العاملة في البلاد بـ 2.4%. وهي نسبة جيدة. وتقدّر القيمة السوقية لهذه الشركات بـ 3,5 مليار دولار. هذا فيما يخص قيمتها السوقية. فإنتاج هذه الشركات ومساهمتها في الناتج المحلي التركي الإجمالي يُعتبر داعماً مهماً للاقتصاد التركي.

إن وجود أكثر من 3 ملايين سوري في تركيا ساهم في تكليف الحكومة التركية أعباءً إضافية. وساهم في استهلاك البنى التحتية. لكنه من جهة أخرى ساهم بشكل مباشر في تعزيز الطلب الكلي في الاقتصاد التركي، ومما لا شك به أن تحفيز الطلب الكلي يعتبر حجر الأساس في تنشيط أي اقتصاد.

 

الشراء من دول أخرى أمر لا مفر منه

الفوضى التي يحاول خلقها في المدينة تزعج رجال الأعمال والسوريين على حد سواء. ويوضح رجال الأعمال أن السوريين يلعبون دوراً مهماً جداً في الوظائف التي لا يرغب العمال الأتراك في العمل فيها، ويقولون إنه لا مفر من توظيف عمال مهاجرين من الهند أو إيران أو جنسيات أخرى في حال عودتهم. ومع ذلك، مع الإشارة إلى أن هناك بالفعل 13 عامًا من الخبرة، فإنهم متفقون على أن إرسال السوريين قد يسبب ضررًا كبيرًا.

احتضنت تركيا اللاجئين السوريين لمدة تجاوزت العقد من الزمن، وفي الحقيقة يلاحظ أن قضية اللاجئين في تركيا باتت تستخدم كورقة سياسية لتحقيق مكاسب. لهذا يتم أحياناً التركيز على بعض السلبيات التي خلّفها اللجوء السوري وتضخيم هذه الآثار. مع تغاضٍ كبير عن الإيجابيات.

ولذلك يحاول رافضو الوجود السوري تصوير اللجوء السوري على أنه سلبي من حيث الأثر. بينما المتعاطفون مع السوريين يسعون لتصويره على أنه إيجابي. وهنا لا بد من التجرد من العواطف والانتماءات والحكم على الأثر الحقيقي للسوريين بمنهج علمي قويم.

تشير العديد من الدراسات التي اهتمت بأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا إلى التأثير الكبير للعمال السوريين في سوق العمل التركي. فمع حركة اللاجئين انتقلت شريحة كبيرة من القوى العاملة السورية إلى تركيا. حتى أصبح السوريون يمثلون قرابة 3% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل بالبلاد وفقاً لإحصاءات الحكومة التركية عام 2022.

في الواقع يتركز العمال السوريون بشكل عام في العديد من القطاعات ومجالات الصناعة. خصوصاً الورش الصناعية ومشاغل الألبسة والأحذية، أما باقي النسبة فتعمل في قطاعات البناء والشركات وغيرها. بالإضافة إلى العمالة المستقلة التي تعمل في المجالات الحرفية مثل السباكة والنجارة وغيرها. ثم المطاعم والمخابز وصيانة السيارات. إضافةً إلى العمل في مجالات التعدين ونقل وبيع الفحم والزراعة. علاوة على العمل بنِسَب بسيطة في مجالات الإعلام والتعليم وغيرها.

ما أبرز صور معاناة العمالة السورية في تركيا؟

المثير في الأمر أن العمالة السورية المنتشرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة في تركيا تعمل في ظروف وبيئة صعبة. حيث تعمل بدون ضمان اجتماعي وبمرتبات زهيدة. مما يقلل كثيراً من تكلفة الإنتاج بالنسبة لربّ العمل التركي.

كما تشير الإحصائيات إلى أن غالبية العمال السوريين يعملون أكثر من 8 ساعات في اليوم (45 ساعة عمل أسبوعياً) دون الحصول على التعويض العيني المتناسب عن العمل الإضافي أو الحصول على حدّ مقبول من الإجازة أو الحقوق القانونية.

علاوةً على ذلك فهناك نسبة كبيرة منهم يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور. على الرغم من أن هناك عمالاً مؤهلين تأهيلاً عالياً يحملون شهادات جامعية من إجمالي العاملين السوريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى