أوجاع ما بعد العاصفة الجزء الثاني للكاتبة برد المشاعر
برد المشاعر
أوجاع ما بعد العاصفة الجزء الثاني
أوجاع ما بعد العاصفة الجزء الثاني الكاتبه / برد المشاعر
الفصل الثامن عشر
نظرت للهاتف بصدمة ولأسمها على شاشته عدة مرات
وكأني اكذب عيناي , لن تتصل وسن لشيء تافه وبي تحديدا
رفعت الهاتف لأذني وكل هواجس الأرض تقودني وكل ما
أخشاه أن يكون أصابها مكروه في الجامعة واحدهم اتصل بي
بهاتفها , أجبت في صمت فجاءني صوتها الباكي قائلة
” نواس خالتي متعبة تعالى بسرعة أرجوك “
انطلقت راكضا من مكاني وأنا أقول
” ما بها وما أعادك من جامعتك الآن قبل وقتك “
قالت بذات بكائها ” بسرعة لا وقت للشرح “
قلت وأنا أركب سيارتي ” اتصلي بالإسعاف ستأخذ
مني الطريق بعض الوقت “
فصلتِ الخط مني دون حتى أن تقول وداعا , سرت بسرعة
كبيرة وعقلي عجز عن التفكير , ترى ما أتعبها فجأة هكذا
لو أنها فقط قبلت بأن نباشر المرحلة الثانية من العلاج
وصلت المستشفى بعد وقت ونزلت ركضا وسألت عنها في
الاستقبال ثم صعدت السلالم قفزا حتى وصلت غرفة العناية
دخلت الممر ألهت من الركض وكانت وسن والممرضة في
آخره فتوجهت نحوهما مسرعا لتقفا ما أن رأتاني فقلت
” ما بها ؟ ماذا حدث “
قالت الممرضة ” تعبت قليلا صباح اليوم ورفضت أن
أخبرك أو أخبر وسن وحينما ازدادت حالتها سوءا اتصلت
بوسن بالخفية عنها لتأتي لها وهي اتصلت بك “
نظرت لباب الغرفة ثم رفعت رأسي ومررت أصابعي في
شعري ليصلني صوت وسن الحزين قائلة ” نواس “
نظرت لها فقالت ودموعها بدأت بالنزول ” هل ستموت خالتي “
قلت بهدوء ” لن تموت لا تخافي ستكون بخير “
ثم ابتعد عنهما ووقفت بعيدا فلم يعد قلبي يحتمل أكثر
جلستا حيث كانتا وبدأت وسن بالبكاء مرتجفة وكأنما
أحدهم سكب عليها ماءً بارداً في عز الشتاء وتتمتم بأشياء
غير مفهومة والممرضة تحاول تهدئتها , اتكأت على الجدر
برأسي وأغمضت عيناي بألم أرثي تمزق قلبي على والدتي
التي لا أعلم عن حالها بالداخل والقطعة من قلبي التي ترتعش
هناك كالورقة , وسن تُعد والدتي الشيء الوحيد المتبقي لها
الآن , تراها أهلها تراها فرح ووالدها ووالدتها وحتى أنا
وفقدانها بالنسبة لها فقدان لآخر شيء يربطها بالبشر
سحقا لحظك يا نواس … ليس الكبرياء من يمنعني الآن
عن دفنها وسط حضني ولملمت ارتجافا بين ضلوعي بل
هوا الحلال والحرام لكنت عندها الآن لعلها هي تخفف عني
النيران المشتعلة في صدري قبل أن أخفف عنها أنا خوفها
على خالتها , سمعت باب الغرفة انفتح فقفزت واقفا ووقفتا
هما وتوجهت نحو الخارج منها قائلا ” كيف هي الآن “
نظر لي وقال ” من تقرب لها “
قلت بتوجس ” ابنها “
سار أمامي وقال ” اتبعني “
تبعته كالدمية غير مصدق أنه قال اتبعني ولم يقل البقاء لله
أو أحسن الله عزائكم أو أي شيء مفجع يعبر عن موتها
دخلت خلفه للغرفة وأغلقت الباب وجلست أمامه فقال
مباشرة ” الورم وصل للدماغ “
شعرت بالأرض تتحرك تحتي ولم أستطع الثبات على
الكرسي الجالس عليه , فوقف وأمسكني قائلا
” كن قويا وعلينا إكمال العلاج معها في كل الأحوال “
رفعت رأسي ونظرت له , كان كالضباب لا أستطيع تمييز
ملامحه فأمسكت رأسي بيداي فناولني كوب ماء فأخذته منه
على الفور وشربته , كان طعمه مالحا ففهمت انه علم أن ضغطي
انخفض , بعد قليل أصبحت الرؤية عندي أوضح وزال الدوار
من رأسي فقلت بصوت متعب ” لا نفع منه سوا قتلها بالبطيء
لا تكذب علي فأنا ملم بمرضها جيدا “
أخفض رأسه وتنفس بقوة ثم نظر لي وقال
” اتركوها هنا أفضل لها لتكون تحت المراقبة والشفاء
من عند الله وحده وعلينا المحاولة للنهاية “
قلت من فوري ” ما الذي يمكنني فعله أخبرني عن
أي بلاد آخذها لها وسأفعل فورا “
هز رأسه وقال ” لن يفعلوا لها أكثر مما سنفعله نحن “
ثم وقف وقال ” كن مؤمنا ولا تيأس فالشفاء لا يحدده
أحد والموت لا يمسكه أحد أيضا “
نظرت له للأعلى وقلت ” هل يمكنني رؤيتها “
قال مغادرا ” ليس قبل أثنى عشر ساعة فلا
تتعبوا أنفسكم بالانتظار هنا “
ثم خرج وتركني فوقفت بصعوبة وخرجت لأجد
وسن والممرضة ينتظرانني أمام الباب فقالت وسن
بنظرة رجاء ” لم تمت أليس كذلك “
هززت رأسي بلا فقالت بصوت ضعيف ويدها تقبض على
كم سترتي ” هل ستموت يا نواس ؟؟ هل ستموت “
قلت ورأسي في الأرض
” لا تقلقي ستكون بخير أزمة وستنتهي “
قالت بعبرة ” أريد أن أراها “
نظرت لها لتقع عيناي على عيناها الواسعة الدامعة
فأشحت بنظري بعيدا عنها وقلت
” لا تزال متعبة عليكما العودة للمنزل الآن “
قالت بجدية ” لن أغادر إلا معها “
نظرت لها وقلت بضيق ” وسن ليس هذا وقت العناد
الطبيب قال أنه لا يمكننا زيارتها قبل نصف
يوم فبقائكما لا فائدة منه “
قالت الممرضة ” إذا سأغادر وأعود لها غدا هل تريدان شيئا “
أوجاع ما بعد العاصفة الجزء الثاني
قلت ” هل عادت فتحية من دولتها “
هزت رأسها بلا وقالت ” قالت أن والدها ازدادت
حالته سوءا ولن ترجع قبل أسبوع “
هززت رأسي بحسنا فغادرت في صمت ونظرت أنا
لوسن وقلت بهدوء ” علينا المغادرة الآن وسنعود في الغد “
سارت أمامي في صمت ودون كلام , فقط لأني سأغادر
أيضا لما كانت تحركت من هنا , ركبنا السيارة وغادرنا
المستشفى , كنت أود البقاء لكن وسن تبدوا متعبة وتكابر
كعادتها ولا أحد في المنزل لذلك عليا البقاء معها , وصلنا
المنزل ودخلت هي قبلي وتوجهت من فورها لغرفة والدتي
بعد قليل لحقت بها فكانت تجلس على الأرض متكئة على
السرير بذراعيها وتخفي وجهها فيهما وتبكي فوقفت عند
الباب وقلت ” وسن لا تنسي أنك متعبة , هذا لن يفيد في
شيء , هي لم تمت وستتحسن حالتها “
لم تجب عليا طبعا فغادرت قبل أن ترميني بكلام يغضبني
وأكون أستحقه , خرجت لأقرب صيدلية أحضرت لها حبوبا
مسكنة وعدت للمنزل , دخلت ووجدتها على حالها فوضعت
الكيس على السرير بجاب رأسها وقلت بهدوء
” أحضرته من نقود والدتي وليس مني “
ثم غادرت الغرفة وتوجهت لغرفتي , أخرجت هاتفي وفتحته
واتصلت بجواد , ترددت بادئ الأمر لكي لا أشغله عن دراسته
لكن إن حدث لها شيء فلن ينساها لي لأنه لم يراها للمرة الأخيرة
شعرت بانقباض في قلبي لمجرد الفكرة , كيف أفقدك يا أمي
أنتي لا تعرفين ما تعنيه بالنسبة لي فمن لي أنا أيضا بعدك
اتصلت وأجاب بعد وقت فقلت من فوري
” ما هي أقرب رحلة يمكنك المجيء عليها “
قال بتوجس ” ما بها والدتي “
أغمضت عيناي بألم وقلت ” متعبة قليلا وأريدك أن تكون هنا “
قال بعد صمت ” نواس لا تكذب علي “
قلت بهدوء ” الورم وصل للدماغ سندخلها للمرحلة الثانية
من العلاج , إن لم يكن بإمكانك المجيء فلا تأتي “
قال من فوره ” أسبوعان أو أقل وأكون عندكم … يا رب
لطفك , نواس هل ستموت “
قلت بغصة ” توقفوا عن سؤالي هذا السؤال وارحموني “
قال بعد صمت ” كيف هي وسن “
قلت بحزن ” مرابطة في غرفة والدتي وتبكي , فتحية سافرت
منذ أكثر من يومين لأن والدها متعب كثيرا والممرضة
غادرت وهي الآن وحدها في الغرفة “
قال من فوره ” كن بجانبها تعلم عن حالتها جيدا
لا نريد أن نخسر اثنتين “
تنهدت وقلت ” تعلم أن اقترابي لن يزيد الأمور إلا سوءا
أنا معها في المنزل ولن أغادر , هذا فقط ما سأقدر عليه “
قال بحزن ” دعني أكلم والدتي ما أن تدخل لها أرجوك يا نواس “
قلت من فوري ” حسنا ووداعا الآن “
قال بهدوء ” وداعا واعتني بوسن يا شقيقي تعلم كم سيؤثر فيها ذلك “
قلت بهمس ” وداعا “
وكأنك متأكد من موتها يا جواد , من حديثك وعبرتك التي
تحاول كتمها , وهذه هي الحقيقة مهما كذبت على نفسي
رن جرس الباب فخرجت له وفتحته فكانت صديقة وسن
في الجامعة , نظرت لي وقالت بقلق ” وسن تركت الجامعة
مسرعة ولا تجيب على هاتفها , زرت منزلكم ثلاث مرات
ولم أجد أحدا ! هل هي بخير “
ابتعدت عن الباب وقلت ونظري للأسفل
” لقد جئتِ في وقتك , أدخلي لها هي في الغرفة المفتوحة
نهاية الصالة , أرجوك كوني بجانبها قدر المستطاع “
دخلت وقالت ” ماذا حدث “
أغلقت الباب وقلت مغادرا من أمامها للداخل
” خالتها متعبة وفي المستشفى “
ثم توجهت للمطبخ لتدخل هي , من الجيد أنها أتت لتكون معها
*
*
نزلت أبحث عن راضية حتى وجدتها وقلت
” نواس خرج منذ ساعات ركضا لسيارته وبسرعة مخيفة
من المزرعة وهاتفه مقفل ووالدته لا تجيب “
قالت بقلق ” سترك يا رب ترى ما الذي حدث “
نظرت من حولي وقلت
” أين وليد أو صديقه الآخر ليجدوا أي حل “
قالت من فورها ” معاذ ليس هنا ووليد في ….. “
بترت جملتها على دخول وليد من باب المنزل فتوجهت
من فوري نحوه وقلت بقلق ” ماذا حدث مع نواس “
نظر لي باستغراب فقلت
” خرج مسرعا وهاتفه مقفل وحتى والدته لا تجيب “
أشاح بنظره عني متضايقا لتتحول نظرتي للصدمة ثم أولاني
ظهره وقال بهدوء ” سأحاول الاتصال به أو أبحث عنه لا تقلقي “
ثم خرج من فوره ونظري يتبعه ورن حينها هاتفي فنظرت له
من فوري فكان نواس فأجبت عليه قائلة بقلق
” نواس ماذا حدث معك وأين أنت “
قال بنبرة غريبة ” أنا في منزل والدتي لا تقلقي “
قلت بحيرة ” هل حدث شيء “
قال بعد صمت ” مرضت أمي وهي في المستشفى الآن “
أغلقت فمي من الصدمة ثم قلت ” ما بها “
تنهد وقال بحزن ” تعبت اليوم كثيرا والطبيب
نصحنا بتركها في المستشفى لبعض الوقت “
قلت بهدوء حزين ” أسال الله لها العافية ولن أطيل
عليك أكثر وطمئني عليها “
قال بهمس ” وداعا وشكرا لك “
أبعدت الهاتف عن أذني وغادرت جهة السلالم وصعدت
لغرفتي , كم أتمنى أن أكون بجانبه ووالدته الآن لكن بقائي
هنا سيكون أفضل فابنة خالته لن تتقبلني وهوا يعلم ذلك
جيدا لكان قال أنه سيأتي لأخذي هناك
*
*
جلست أحتضن أغطية سريرها أريد أن أشم ولو رائحتها
خالتي عودي من أجلي لا تتركيني فبعدك سأضيع وأرجع
عالة ومتسولة ويتيمة يرعاها نواس وزوجته , من أشتكي له
بعدك , من ينصفني من يحبني ويتحدث معي
قبضت على اللحاف بقوة لتعود دموعي التي لم تتوقف للنزول
مجددا فشعرت بيد على كتفي هي ليست لنواس بالتأكيد فنظرت
لصاحبها بسرعة وكأني أتخيل أن تكون خالتي تطبطب
على كتفي كالعادة وتسألني ( لما أنتي حزينة يا ابنتي )
فكانت ملاك , نظرت لها مطولا ثم قلت ببكاء
” خالتي يا ملاك ستموت وتتركني “
جلست بجواري على الأرض وحضنتني وقالت
” لن تموت هي متعبة فقط وليست المرة الأولى “
قلت بعبرة ” لم تمرض هكذا قبلا “
وبقيت لوقت تهدئني وتقرأ على مسامعي
آيات من القرآن ثم مسحت على شعري وقالت
” إنه وقت المغرب هيا قفي توضئي لنصلي واقرئي في
المصحف قليلا وادعي لها بالشفاء “
وقفت ودخلت الحمام توضأت وصليت واتكأت في سرير
خالتي وأحضرت ملاك المصحف وبدأت تقرأ على مسامعي
حتى هدأت وتوقفت عن البكاء فمسحت على شعري وقالت
” وسن لما كل هذا هي حية ولم تمت , ابن خالتك قلق عليك
كثيرا يكفيه والدته التي في المستشفى “
خبأت وجهي في ذراعي وقلت ” ليذهب ويتركني أنا لم
أجبره على البقاء معي “
تنهدت وقالت بضيق ” وسن هوا في النهاية ابن خالتك
ويخاف عليك لو رأيت وجهه لتوقفتِ عن هذا الجنون “
خبئت وجهي في ذراعي أكثر وعدت للبكاء فقالت
” حسنا لن أذكر اسمه ثانيتا فلا تبكي “
وأمضت معي ملاك الليل بطوله ولم ننم للحظة ولا نواس
الذي يطرق علينا الباب من حين لآخر وعند الصباح
قالت ملاك ” هيا لتذهبي معي لمنزلي , جدتي رحبت
بالفكرة وأنتي تحتاجين للابتعاد عن هنا “
نزعت ملابس الصلاة وجلست على السرير وقلت
” لا أريد فعليا زيارة خالتي معه “
قالت بهدوء ” منعوا عنها الزيارة نهائيا حتى تنتهي جلسات
العلاج فتعالي معي أفضل لك وله ليتمكن من مغادرة المنزل “
قلت بحدة ” أخبرتك أني لا أجبره على البقاء “
قالت بضيق ” أنتي لا تجبرينه لكنه يستحيل أن يذهب
ويتركك في المنزل لوحدك فإن كنتي حقا لا تريدي
رؤيته فاذهبي معي أو ابقي معه هنا “
ثم تأففت وقالت مغادرة الغرفة ” سأجمع لك ثيابا
وتبقي معي حتى تخرج خالتك “
ثم غادرت الغرفة فارتميت على السرير أبكي بحرقة
فها قد بث عالة حتى على الأغراب , بعد قليل جلبت
حقيبة أغراضي وقالت ” وضعت فيها كل ما رايته
مهما وإن احتجتِ شيء سنعود لأخذه “
خرجت معها من المنزل وأوصلنا نواس بسيارته لمنزلها
نزلت ملاك قبلي وهممت بالنزول حين استوقفني صوت
نواس قائلا ” اتصلي بي إن احتجتِ شيئا “
قلت بهمس وأنا انزل ” شكرا لك “
ثم أغلقت الباب ودخلت المنزل , متى سيقتنع أني لا
أريد منه شيئا سوى أن يتركني ولا يزيدني على ما بي
دخلت وكانت جدة ملاك وزوجة خالها في استقبالي
رحبا بي وسألا عن خالتي فأجبتهم ثم قلت
” أريد أن أنام قليلا أشعر بالتعب “
قالت جدتها مبتسمة
” المنزل منزلك , خذيها يا ملاك لغرفتك لترتاح “
دخلت خلفها للغرفة فقالت ” تبدين متعبة هل أعطيك المسكن “
دخلت للسرير وقلت ” أريد أن أنام قليلا فقط “
فخرجت وأغلقت الباب بعدما أطفأت النور
*
*
أمضيت أيام الأسبوع بين المستشفى والمزرعة ومنزل
صديقة وسن لأطمئن عليها من خال صديقتها التي توصل له
ملاك أخبارها , هي لم تذهب للجامعة منذ ذاك اليوم ولا تتوقف
عن البكاء وتصر على الخروج بنفسها لزيارة والدتي ولا
تريد أن تقتنع أن الأطباء يمنعون عنها الزيارة بالفعل فحتى
أنا لم أدخل لها سوى مرة واحدة ولدقائق معدودة وهي لا
تعي شيئا حولها , جواد قال أن طائرته ستكون منتصف
الأسبوع القادم ولم يخبر فرح بشيء فهي حامل وإن علمت
ستقلق على وسن ويجن جنونها ولن تهدأ ليلا ولا نهارا
” ألن نتمكن من زيارتها أبدا يا نواس “
رفعت رأسي ونظرت لها وقلت ” الأطباء لم يسمحوا بذلك بعد “
نظرت للأرض وقالت بحزن ” تبدوا حالتها حرجة “
تنهدت وقلت ” ليس بيدنا سوى الدعاء لها “
رن حينها هاتفي فنظرت له ووقفت على طولي وأنا
أرى رقم المستشفى فأجبت من فوري فقال الذي
في الطرف الآخر ” مرحبا هل أنت السيد نواس “
قلت بتوجس ” نعم هل والدتي بها مكروه “
قال من فوره ” تطلب رؤيتك وواحدة اسمها وسن “
أبعدت الهاتف عن أذني انظر له بضياع فقالت مي بقلق
” ماذا هناك يا نواس “
قلت مغادرا من أمامها ” سأنزل للعاصمة وقد لا أعود اليوم “
ركبت سيارتي وغادرت مسرعا أحاول فقط أن لا أفكر
وصلت لمنزل صديقة وسن ونزلت , قرعت الجرس
ففتح لي الباب طفل في السادسة أو السابعة فقلت له
” أين والدك هل هوا موجود “
قال من فوره ” خرج هوا ووالدتي “
قلت ” وملاك هل هي في الداخل أم صديقتها فقط “
هز رأسه بلا وقال ” في الجامعة صديقتها فقط هنا وجدتي نائمة “
قلت ” أخبرها أن رجلا اسمه نواس ينتظرها في الخارج “
ثم أمسكت كتفيه وقلت ” قل لها سيأخذك لخالتك “
هز رأسه بحسنا ودخل وما هي إلا لحظات وكانت وسن أمامي
بعباءتها وحجابها واقفة أمام الباب وقالت ” هل سنزورها حقا “
هززت رأسي بعم دون كلام فخرجت وأغلقت الباب وتوجهت
للسيارة بخطوات سريعة وكأنها تريد أن تسابق الوقت لتصل
لها سريعا , ركبت بجانبها وانطلقت في صمتنا حتى
قالت ” هل رأيتها اليوم “
قلت ونظري على الطريق ” لا “
نظرت لي وقالت ” وكيف سمحوا لنا بزيارتها هل انتهى علاجها “
دخلت حينها سور المستشفى وقلت ” هي طلبت رؤيتنا “
أوقفت السيارة في الموقف فأمسكت قلبها وقالت
” هل هي بخير ؟ أخبرني أرجوك يا نواس “
نظرت لعينيها لأول مرة اليوم وقلت
” لا أعلم يا وسن أنا مثلك جئت ولا اعلم شيئا “
قالت ودمعتها تتدلى من رموشها الطويلة
” ستكون بخير أليس كذلك , قل قسما ستكون بخير “
تنهدت وقلت ” كيف أقول شيئا لا أعلمه هيا دعينا ننزل لها الآن “
ثم فتحت الباب ونزلت فنزلتْ هي أيضا ولحقت بي
دخلنا المستشفى وصعدنا بالمصعد وهي تتكئ على جداره
وتبكي فنظرت لها وقلت بهدوء وقلب ينحب أكثر منها
” يكفي يا وسن كوني قوية لتقابليها أو لن يتركوك ترينها “
لم تزدد سوى عبرات ونحيب على نحيبها , اليوم فقط تمنيت
أني سمعت كلام والدتي وتزوجتها ذاك اليوم رغما عنها وعني
لَما كنت تركتها الآن تحتضن الجدار الأصم الذي لا أعلم
كيف لم يتحرك ويمسح دموعها , انفتح المصعد أخيرا ورحمني
فخرجت وهي تتبعني وتمسح دموعها , وصلنا الغرفة وفتحت
الباب ببطء ودخلت ووسن خلفي , كانت الأجهزة كلها منزوعة
منها سوى حقنة المغذي فما يعنونه بهذا ! ما أن دخلت وسن
حتى توجهت نحوها مسرعة وحضنتها تبكي فرفعت والدتي
يدها بتعب ووضعتها على رأسها وقالت بصوت ضعيف متعب
” إن كنتي تحبينني فتوقفي عن البكاء يا وسن “
قالت بعبرة ” لا تتركيني يا خالتي أرجوك فليس لي بعدك
أحد لا ترحلي أنتي أيضا , ليبقى لي ولو صوتك يكلمني “
نزلت دمعة من طرف عين والدتي ونظرت لي ومدت يدها
فاقتربت منها وأمسكتها وقبلتها فقالت ونظرها على وسن
المحتضنة لجسدها ” ضعي يدك هنا في يدي يا وسن “
رفعت رأسها وامتثلت لها لتصبح يدها فوق يدي وكلاهما في
يد والدتي التي قالت ونظرها عليها
” عديني يا وسن وأقسمي لي أنك تفعلين ما سأطلبه منك “
بقيت على صمتها فقالت أمي ” عديني يا ابنتي “
قالت وسن ببحة ” أعدك “
تنفست أمي بتعب وقالت ” قولي أقسم أن أتزوج من
يختاره نواس ومتى يقرر هوا “
بقيت تنظر لها بصدمة فقالت ” لا ترُديني خائبة يا وسن “
غمرت وجهها في جسد والدتي وقالت ببكاء
“أعدك وأقسم لك أن افعل فقط لا تتركيني وحيدة “
نظرت لي أمي حينها وقالت ” وسن أمانتك يا نواس مادمت
حيا ولا تنسى وعدك لي بني فأنت لم تزوجها سليمان لأنك
اخترت الخيار الآخر فكن عند وعدك مهما طال بك العمر “
قلت بحزن ” لا تخافي لن أخلفه يا أمي “
ابتسمت حينها ابتسامة صغيرة متعبة وقالت بهمس
” الحمد لله “
ثم ارتخت قبضة يدها ورفعت وسن رأسها ونظرت لها
وهزتها بيدها الأخرى وقالت بصدمة ” خالتي “
فقبضت بيدي بقوة على يدها التي تحت يدي وقلت بألم
ودمعة سقطت من عيني ” ليخلفنا الله فيها خيرا يا وسن .
“
اوجاع_ما_بعد_العاصفة_برد_المشاعر