عام على انتفاضة الكرامة !!
بقلم✍️د.محمد فيصل باحميش
عام مضى على طوفان عسكري اخترق حدود الغطرسة والإباء وأكل أخضر الصهاينة ويابسهم ومرغ أنوف أعتى جيش في منطقة المهانة العربية بتراب الانكسار. معركة رسمت فيها كتائب القسام أجمل لوحات البطولة، وأسقطت خصمها بضربة فنية عسكرية استباقية ليس لها أي مثيل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. الدهشة لم تكن بكمية الأشلاء المتناثرة على مربعات الأراضي المغتصبة، ولا لبشاعة لون الدماء الحمراء وهي تخضب أرض الاستحقاق العربي، وإنما لأن تلك الضربة استخدمت فيها وسائل بدائية لا تشغل حيزاً في فراغ الاستقواء العسكري، ولكن ذلك الهجوم الغادر آلم العدو وجعله كسكران يتخبط في دهاليز الحيرة ويبحث عن استجماع قواه والتقاط أنفاس الكبرياء ولملمة شتات هيبته لأيام عقب ذلك الهجوم الذي أسقط إسرائيل من حسابات الردع العسكري.
عام مضى وأهل غزة يمسكون بتلابيب عطشنا الإيماني ويجلوسنا على مقاعد التعلم بسلطان الدهشة والحيرة لننهل من مستودع جهادهم ونرتشف من نهر صمودهم وثباتهم.. صحيح أن الكثير من أهل غزة لم يتتلمذ على كتب الغزالي وابن رشد، ولم يقرأ في كتب الأشاعرة وأهل العقيدة والمنطق ولكنه أذهل الجميع وهو بجسد مفاهيم العقيدة في ميادين الثبات الروحي فيستقبل صواريخ الإجرام الصهيوني بمفردات الاحتساب والترجيع، ويحتضن شهيد الغدر والمظلومية بأذرع الصبر والحوقلة، ويداوي جراح المكلوم بعبارات المواساة ويخيط جراحه الغائرة بأحرف الدعم النفسي والروحي.
عام مضى وطائرات الإجرام الصهيوني تحلق في سماء البطش والفتك وتمطر أرض غزة الأبية بقذائف التطهير العرقي وصواريخ التهجير القسري، وتستأصل شأفة الإنسانية بصواريخ الإبادة والحقد الدفين، ليس هذا فحسب فقد أذابت قوى الشر ودول الممانعة جليد الفرقة، وكسرت حواجز الخلاف وعقدت العزم على مد بني صهيون بكل أسلحة الإبادة والفتك لتبقى على قيد حياة الإجرام وتمارس الإرهاب في حق شعب ليس له من ذنب سوى أنه نادى بأحقيته في العيش الكريم واسترداد أرض جثم على صدرها العدو المجرم بسلطان النفوذ والتآمر الدولي، ولطخ مقدساتها بأقدام التدنيس والانتهازية.
عام مضى على مشاهدة العرب لأكبر مسرحية دموية تعرض على شاشة الصمت والاستكانة، دون أن تحرك الجيوش العربية ساكن الانتصار لشعب أعزل تمارس في حقه أبشع ألوان الإبادة، وتهدم طوابق الحقد في فوق رؤسهم وهم يتقلبون على فرش الألم والانكسار. فبالرغم من أن دول المهانة والذل العربي تطوق غزة من كل حدب وصوب إلا أن أنظمتها البائسة دفنت رؤوسها في تراب الذل واكتفت بمشاهدة صامتة من خلف شاشات الإعلام الممول. وقد غاب عنها بأن غزة هي شوكة مقاومة في حلق بني صهيون تحفظ كرامة الأمة وتذود عن حماها الوجودي فلو كسرت هذه الشوكة وأبيدت المقاومة عن بكرة أبيها سوف تلتهم إسرائيل تلك الدول بغمضة عين وتوسع مشروعها الاستيطاني دون أن يرف لها جفن التخادم والعمالة.
عام مضى وصهاينة العرب يغرسون سكين نفاقهم في جسد مقاومة شريفة كتبت فصول ملاحمها العسكرية بحبر البطولة، وأسقطت أكذوبة الجيش الذي لا يقهر بقوة إرادتها وحسن تدبيرها العسكري، وبدلاً من الاصطفاف مع كتائب القسام في خندق الجهاد ومدها بما يلزم من أدوات الاستمرارية والدعم النفسي وإعادة الاعتبار لكرامة أمة كانت تقود واليوم صارت مقودة تقبع في ذيل التبعية وتذبح من الوريد إلى الوريد؛ نراهم يرتمون في أحضان التخذيل، ويتفننون في استخدام عبارات التثبيط خدمة لمشروع العدو الصهيوني وانتصاراً لكرامته التي مرغت بتراب الإذلال والمهانة وبسواعد رجال القسام.
عام مضى على سقوط أقنعة حقوق الإنسان الزائفة، وانكشاف لثام ازدواجية المعايير والتمايز الإنساني، فقد عرت قضية غزة أنظمة العدالة الهلامية ومحاكم الانحياز الطائفي، فمجلس الأمن لم يعد لحفظ الأمن وإنما صار مجلساً لتدويل مشاريع التطهير العرقي ومنح العدو الصهيوني ضوء التنكيل الأخضر بحق شعب أعزل سلبته آلة القمع حقه في العيش الكريم. فغزة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن قوانين حفظ السلم العالمي وقواعد الاشتباك الآمن ليس لها حظ من النظر إذا كان أحد طرف معادلة الصراع الصهاينة، وأن الدم العربي لا قيمة له في ميزان الانتصار الغربي، وأن دول العالم الثالث تعيش على هامش رصيف الاستحقاق ولا تحجز موطئ قدم لها على خارطة الاهتمام العالمي.
▪️ ما أروع حماس التدبير السياسي والبناء القيادي، وما أجمل قسام العز والبطولة فلم تكتفِ باستقبال قذائف الإجرام بأجنحة الثبات والمقاومة، ورد صاع البطش الصهيوني بأساليب الكر والمناورة، وإنما أمسكت بيدها اليمنى زناد الجهاد والفروسية وأذاقت عدوها صنوف القهر والألم، وفي اليد الأخرى أمسكت بأدوات التصنيع العسكري المستدام فها هي بالأمس تدك حصون العدو برشقة صاروخية من طراز m 90 تدخل لأول مرة خدمة التأديب العسكري، لترسل رسائل لقوى الاستبداد ومحور الشر بأن القسام ما تزال على قيد حياة المواجهة وأنها في أتم الجهوزية لحرب استنزاف طويلة، سوف تجرع العدو غصص الألم وتسقيه من كأس المهانة والذل، ولا عزاء للمتخاذلين والمثبطين، فالقسام وفصائل المقاومة قد بشر بها رسول الله ومنحها وسام الحق وألبسها تاج المقاومة بقوله” لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة”، وأخبر بأن مفردات التخذيل لا تكسر معنوياتهم ولا تشق عصا الالتفاف المجتمعي حول مشروعها المقاوم بقوله” لا يضرهم من خذلهم”.