في الذكرى العاشرة لاستشهاده: الشهيد القائد محمد فضل جباري   

كتب: بكيل الجحافي القحطاني

 

كان خبر استشهاده صاعق وفاجعة كبرى وخسارة فادحة على الضالع والجنوب عامةٓٓ ، يوم أن اغتالتهُ يد الغدر والحقارة والنذالة وسط الشارع العام للمدينة في ثاني ليالي شهر رمضان المبارك الموافق شهر يونيو من العام ٢٠١٣م، الساعة الثامنة والنصف وهو عائدآ إلى منزله بعد صلاة التروايح وذالك بعدما عجٓزت أجهزتهم وقواتهم وأطقمهم وجندهم كلها على اعتقاله أو قتله•

 

كان اسمه هو الأكثر خوفآ ورعبآ وذعرآ في قلوب قادة الاحتلال ممن حكموا الضالع طوال عقدين ونيف،، كان فارسآ شجاعآ مهاجمآ مغوارآ مغيرآ، كسرٓ حواجز الخوف وأسوار الرعب وسلاسل الجبروت التي كانوا قد زرعوها.

 

كان مقاتلآ، سياسيآ، أمنيآ، أستخباراتيآ مناورآ..كان أول من يمتشق وأكثر من يهاجم وأسرع من ينتصر..كان يهاجمهم ليلآ ونهارآ ،صباحآ وظهرآ ومساءآ وفي جميع الاوقات فيوقع قتلا وجرحى ، ثم يعود فيخلع درعه القتالي ويخرج إلى الإسواق بشكله المدني وكأنه بريئآ مما حدث…!

 

كان يهددهم عبر الجوال بأشد عبارات الوعيد ويعزيهم أحيانآ في قتلاهم قبل ان يصل اليهم البلاغ العملياتي من مصادرهم الرسمية حتى يوصل رسالة لهم مفادها قادرين على الوصول اليكم في الزمان والمكان الذي نحدده نحن.

 

حاول نظام الاحتلال ثنيه عن هدفه النضالي بالعديد من وسائل الترهيب والترغيب، هددوه بالسجن والاغتيال واصدار احكام الاعدام حتى وصلوا الى التهديد بخطف اطفاله ولم يعيرهم ادنى اهتمام، ثم لجأوا إلى استخدام وسائل الترغيب وعرضوا عليه وضائف مناصب قيادية عليا بالمحافظة وسيارات وعيش رغيد لكنه رفض أيضا وقال لهم بصريح العبارة “نفسي ودمي واولادي فداء لوطني الجنوب”.

 

للشهيد بطولات كبيرة من ابرزها حينما حشدوا ذات يوم كل أجهزتهم وقواتهم وأطقمهم فواجههم بمفرده لأكثر من ساعة في مدخل منطقته ومسقط رأسه حبيل جباري، حتى تداعت الضالع وانتصرت، ناهيك عن ملحمة الشعيب ضد تنظيم القاعدة والتي افشل فيها مخططا خطيرا ارادت في مخابرات الاحتلال اختراق الثورة الجنوبية بعناصر من القاعدة حتى تنسب إليها هذه التهمة تحت مسمى “الحراك القاعدي” الذي كان يردده نظام الاحتلال عبر رئيسه عفاش ووسائل اعلامه والذي كان مخطط له ان يبدأ من الضالع منبع الثورة الجنوبية، لكنه افشله بمواجهة حاسمة مع عناصر التنظيم الارهابي المسيس في منطقة الشعيب •

 

عُرف قبل وخلال مراحل النضال بالشجاعة والصراحة، وعدم المجاملات عند جميع القيادات وحتى على مستوى أقرب الناس له، ولهذا كان القادة في الضالع يتفاخرون به أذا جلس في مجالسهم حيث كان يحضى باحترام وشهرة واسعة على مستوى الجنوب وخاصةً على مستوى العاصمة عدن وابين وشبوة وحضرموت ويافع السند والمدد التي احتضنته مرتين وهو جريح.

 

تقلّدَ عدة مهام ومسؤوليات خلال فترة النضال السلمي ، منها نائب رئيس مجلس الحراك الأعلى بالمحافظة ، ورئيس مجلس الحراك مديرية الضالع، ونائبا لرئيس مجلس الحراك الأعلى بالجنوب•

 

لم تكن شجاعته صنيع نفسه بقدر ماورث الشجاعة من بيت أو بالأصح من (دار ) كان له تاريخ عندما أضطر نظام الحزب الأشتراكي اليمني في سبعينيات القرن الماضي إلى إخراج دبابات وأطقم حتى تمكنوا من القضاء على أحد اعمام هذا البطل الذي رفض تسليم نفسه في حادثة خلاف مع السلطة انذاك وتم قصف المنزل بقذائف الدبابات وهدم الدار بالكامل على رأسه عندما لجأ الى بندقيته بعد ان شعر بالظلم في حدث يعرفه جميع اهالي مدينة الضالع قديما.

 

هو مدرسة للشجاعة.. هو مصنع للتحدي…هو منجم للمقاتلين ، هكذا سنخَّلد اسمه في تاريخ الضالع للاجيال القادمة.. أنه الشهيد القائد /محمد فضل علي جباري الضالع /المدينة /حبيل جباري.

 

وإلى قصة واحدة من ابرز بطولاته ، والتي تبدو أشبه بالخيال رغم أنني سأرويها كشاهد عيان وعلى لسان والدته أطال الله بعمرها والضالع كلها شاهدة لهذا اليوم وما حدث:

 

[القصة]

 

السبت الموافق ٤ مارس ٢٠١٠م ، ومنذُ ساعات الفجر الاولى ، اغلقوا جميع الطرق الرئيسية والفرعية والمداخل والمخارج المؤدية إلى الضالع ،،المدينة،، – في محطة قايد صالح، في زُبيد، في مفرق الأزارق، في ثلاعث جحاف، في الكبار، في مصرف مياه الحميراء…في جميع النقاط المذكوره ، منعوا الناس من الدخول إلى المدينة بمافيها الخط الرئيسي الواصل بين عدن وصنعاء ، بالأضافة إلى النقاط الفرعية الداخلية والمنتشرة على مداخل ومخارج المدينة…!

 

أغلقوا جميع المحلات التجارية..!! منعوا الباعة من أصحاب البسطات والمارة وسكان الضالع المدينة من التسوق.. أغلقوا شبكات الأتصالات.. أطقمهم وعرباتهم وجندهم هي فقط وحدها من يسمح لها بالتحرك والتي كنا نشاهدها في المدينة في ذلك اليوم…!!!

 

ضابط برتبة عميد /مساعد مدير أمن المحافظه وثاني وثالث برتبة عقيد كانوا من ضمن المحتجزين في نقطة ثلاعث..كنا نسألهم كيف ولماذا..؟ وماذا يريدوا ..؟ لايفقهون من الأمر شئ.…!!!؟؟

 

حتى تمام الساعة السادسة والنصف من صبيحة ذالك الًيَوم، الضالع كل الضالع بما فيها من كانوا في صفوف النظام…الكل لٱ أحد يعلم ماذا خطط وماذا يريد العدو بالضبط من هذا التجبر والعنجهية والجبروت…!!؟؟

 

ولأنهم جبناء وحقراء وضعفاء ولأن قوتهم الحديد وقوة القائد الحق.. حاصروا منزل القائد بعشرات الأطقم ومن كل اتجاه أحاطوه كحلقه محكمة•

 

كان القائد البطل ابو فهد مايزال يغوص في نوم عميق في غرفة نص جدرانها زجاج ولايعلم هو الآخر بما يُخطط له، بعد ان عاد الى منزله في ساعة متأخرة من الليل للإطمئنان على زوجته واطفاله بعد فراق نحو شهرين ظل فيها مشردا ومطاردا من قبل قوات الاحتلال اليمني حينها…!!!

 

قلب الأم وعطفها لولدها أقرب من قلب الولد لنفسه .. قالت بلهجة ضالعية:

“كنتُ غصبة(بالكاد) أنهض بعد رنين طوييل لساعتي..أصلي الفجر ركعتين بركعتين وأعود إلى فراشي لمواصلة النووم، لكن في تلك الليلة: الساعة الثالثة فجرآ أستيقظت فجأة ، خوف شديد وهلع وشعور بالرهبة كان ينتابني وبقيت على هذا الحال حتى وقت آذان وصلاة الفجر.. كنت أعلم أن ولدي مطلوب ويلاحقوه وأن مجيئه بهذا الليلة بعد منتصف الليل كان خطر عليه ، القيتُ نضرة إلى غرفته وقد خلع وختلس عدته وملابسه القتالية وهو في نوم عميق.. تركته ولم أيقضه، كنت أدعو له وأفرط بالدعاء في تلك اللحظات أن يحفظه الله ويحميه، ولم أكن أعلم ما يحيط به من الشر في تلك الساعة”.. توقفت الأم العزيزة ،،فاطمة،، لتمسح دموعها.

 

في الساعة السادسة والنصف من صبيحة ذالك اليوم أطلق العدو الغاشم أول رصاصاته من سلاح الدوشكا على منزل القائد دون إنذار مسبق أو رحمة أو بقايا أخلاق بالنساء والأطفال الآمنين في منزله، بعدها مباشرةٓٓ صوت انفجار قوي وكأنها قذيفة آر بي جي تخترق منزل القائد ليتصاعد أعمدة دخان كثيف من على منزله ليُدرك الجميع الهدف والمغزى من وراء كل تلك الحملة العنجهية التعسفية الدالة عن حجم الخوف والرعب والهلع الذي أصابهم أمام فرد ومقاوم واحد هو البطل القائد محمد فضل جباري.

 

تكمل أم الشهيد القصة : “صرختُ بصوت عالي وتوجهت إلى غرفة أبني وإذ به يرتدي جعبته على جسده مباشرةٓٓ – يجمع القنابل والسلاح والذخائر- يتجه نحو الثلاجة يشرب كوب من الماء يحاول بعجل أن يتصل بجواله لا فائدة ، يجدل الجوال..ينادي أبنائي: لاتخافوا لاتخافوا أجتمعوا في هذة الغرفة فهي آمنه جنب الدار القديم،، مكبرات الصوت تنادي خارج الدار سلم نفسك وأسلم أهلك وبيتك.. صوت أقدامهم يقترب من الباب الرئيسي للمنزل يصرخون كالكلاب المسعورة

سلم نفسك… سلم نفسك

ترد أم القائد: أبني ليس هنا..محمد غير موجود أتقوا الله خافوا اللّـه ، ليرد أحدهم بصوت كفحيح الأفعى : أفتحي الباب ياحاجه نفتش البيت…يحاولوا كسر الباب بالرصاص..وفي موقف ولحظة.. الأم ، الزوجة، الأبناء.. في زوايا غرفة يرددون الشهادة : لا إله الا الله محمدُُ رسول الله”.

 

وبحسب حديث والدته كان القائد جباري وقتها يوصي أهله.. يفتح قنابله..يضع يده على الزناد ويقترب ثم يُفرغ مخزن آلية الكلاشنكوف بالكامل نحو الباب الذي يريدون فتحه..ثم ينطلق في حركات متسارعة،

تارة يقذف قنبلة من نافذةٓٓ هنا وتارة من نافذة هناك وتارة من على السطح وتارةٓٓ أخرى يطلق بالرشاس ، وكأنَّ في البيت اكثر من مقاتل”.

 

أتذكر ماقاله ضابط جنوبي كان يعمل في إدارة أمن الجمروك التابعة للاحتلال ذلك اليوم عندما سمع جنود الاحتلال يتحادثون فيما بينهم وسط الادارة بعد عودتهم وفشلهم انه سمع أحدهم يقول وهو يقول لقائده: “يافندم البيت مدجج بعدد من المقاتلين” وهي اللحظة التي صنع فيهم الرعب والإرباك والتخبط والشك وكانوا منشغلين بجرحاهم.

 

وبالعودة لهذا الحدث وبحسب رواية والدته، انه وسط هدوء الموقف لبرهة، امر القائد جباري والدته وزوجته وأبناءه الصغار بالخروج والتوكل على الله إلى منزل أخوه الأكبر المجاور لمنزله.

 

تخرج الأم فاطمة وهي تجر الطفلين أسامه وعميد والأبن عبدالاه وهي تبكي وتترجاهم بالسماح لخروجهم ، تشاهد الأم جندي قوي الجسم ينزف دم تحت السلم أسفل الدرج الخارجية، تمر بجانبه تلحقهم باقي الأسرة تشاهد عدد كبير من الأطقم والعربات للموقف.. لاتستطع أن تكمل.

 

لحظات هدوء وأتصالات متواصلة للعدو فلم يخطر على بالهم ومخططاتهم الشيطانية، أن الرجل سيقاوم وأن حوله عميد وحماده والخويل وعمار ومسيعد وعلي الرجال والدب والبتول وسلطان واخرين (والذين اغلبهم استشهدوا في مواجهات لاحقه مع قوات الاحتلال) والضالع كل الضالع…واستطاعوا ان يخترقوا الطوق العسكري الرهيب ليعتلوا بعض المنازل المرتفعة حول منزل القائد المحاصر.

 

رصاصات كلاشنكوف بدت تنهال من هنا وهناك على أطقمهم..تعزيزات بالسلاح المتوسط تهرع مسرعه من ألويتهم ومعسكراتهم.. عميد كردوم رحمة الله تغشاه الساعد الأيمن للقائد جباري يطلق قذيفة آر بي جي صوب أحد العربات المتمترسة على مداخل الطريق إلى منزل القائد،، سماع أشتباكات ومواجهات على أبواب النقاط المغلقة ، سعير حرب تكاد تنتشر في كل أرجاء الضالع وفوق كل هذا وذاك الموقف والوضع الملتهب مازال القائد محاصرآ داخل منزله والرصاصات والقذائف تنهال عليه من كل اتجاه والذخيرة اوشكت على النفاذ ، حينها توصل القائد إلى اللحظة الصعبة والقرار الأعظم في حياته وهو الخروج وكيف الخروج وهم يحيطوا بالبيت من كل اتجاه.

 

يقول القائد الشهيد رحمة الله تغشاه في لقاء خاص جمعني به قبل استشهاده وهو يروي هذة اللحظة: “توجهتُ إلى الثلاجة شربتُ كوببين ماء اقتربت من الباب الغربي كان طقم يربض امامه مباشرةٓٓ-أشهدُ أن لا إله الا الله وأن محمدآ رسول الله وبسرعة فتحت الباب ورميت قنبلة دخانيه في وجوههم كانت هي آخر ما املك”.. ليخرج من أمامهم كبطل أسطوري شامخ لانستطيع أن نصف الموقف غير التخيل والتصور لموقف وحدث كهذا.

 

مع آذان وصلاة الظهر أنتهت الحملة بانسحاب القوة الجبانة والحقيرة وسلامة القائد محمد فضل جباري وعادت الأم والأبناء تزغرد بسماع صوت القائد عبر أتصال مباشر من أحد منازل المدينة بالتليفون الثابت “أمي..أنا بخير ولم أصب باذئ”،، عادت الأم فاطمة تمسح دموع الحزن والفرح وقد اختلطت بلون الدم من بعض الجراح التي تعرضت لها في يدها اليمنى من نار القرود شاكره الله الذي حفظه وأخرجه سالمآ غانمآ متذكره قوله سبحانه وتعالى ولاتموت نفسً إلآ إذا جاء أجلها)) صدق الله العظيم..

 

رحم الله الشهيد القائد/ محمد فضل جباري

والرحمة لكل الشهداء..

 

نختم القصة..

 

للشهيد أربعة أولاد أكبرهم ،،فهد،، اضطر إلى مغادرة البلاد إلى السعودية لأعالة أسرته، ثانيهم ،،عبداللاه،، يعمل على متن دراجة نارية عله يفي ببعض متطلبات الحياة.. اسامه وعميد طالبان في الاعدادية.

 

السؤال لقادة الثورة هل وضع وحال أسرة الشهيد- محمد فضل جباري في حالها الصحيح وفي ضمائركم وذاكرتكم ..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى